بعد انتخاب مجلس الأمة في الكويت وتشكيل الحكومة الكويتية وخطاب أمير البلاد الذي أكد فيه على مبدأ التعاون بين السلطتين، نفاجأ بتقديم استجواب لوزير الداخلية الكويتي الشيخ جابر الخالد، ولم يمض على بدء المجلس أعماله سوى أسبوع واحد، مما ينذر بوجود خطر يهدد علاقة السلطتين. مقدم الاستجواب النائب مسلم البراك المنتمي إلى "التكتل الشعبي"، ويبدو أن الاستجواب هو بمثابة اختبار للعلاقة بين السلطتين. الحكومة عازمة على مواجهة الاستجواب وعلى صعود وزيرها للمنصة، وهي تملك غالبية لإسقاط طرح الثقة، إلا أن مقدمي الاستجواب لم يسعوا إلى طرح الثقة بقدر ما أرادوا تسجيل موقف حيال العلاقة بين السلطتين. كما يسعون أيضاً إلى وضع بعض النواب المحسوبين على التيار الوطني في موقع حرج حيث التحولات في العلاقة بين التيار الوطني أو الليبرالي وبين الحكومة نحو مزيد من التعاون والتفاهم. قلنا فيما سبق إن الأزمة قائمة في الديمقراطية الكويتية وإنها لا تحتاج سوى شرارة واحدة لتعيد اللهب للعلاقة بين السلطتين وإن الأزمة أعمق بكثير مما يظهر لنا على السطح، وإن المعالجة طالما بقت تجميلية، فالعلاقة المتوترة هي سمة دائمة في الديمقراطية في المشهد الكويتي. الاستجواب لن يكون الأخير، حيث سيتبعه استجواب لنائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، بمعنى أن الاستجوابات تتقصد وزراء الأسرة الحاكمة، وهو أمر له مغزى حيث تعني الرسالة السياسية هنا أنه لا خطوط حمراء للنواب وأنهم عازمون على الاستمرار في نهجهم. نعتقد أن العلاقة باقية داخل خانة التوتر، وما يلفت الانتباه هو أن القوة الجديدة المتمثلة بالقبيلة هي من تقود المعارضة وهي من يتصدى للحكومة بينما القوى المحسوبة على التيار الوطني تراجعت نتيجة لتفكك هذه القوى وغياب التنظيم وطغيان المصالح الخاصة حيث تحولت اهتماماتها نحو اقتناص الفرص المصلحية... وهذه التحولات هي لب أزمة الديمقراطية في الكويت. فالقوى الوطنية، إذا ما صحت التسمية، تعيش أزمة خانقة وهي اليوم حبيسه لمصالحها وهي غير قادرة على قيادة الشارع نتيجة لتعقد المصالح وتداخلها. ولعل الدكتور أحمد الخطيب الذي عرف بدوره التاريخي، بدأ يتراجع نتيجة للضغوط الاجتماعية والعائلية، ونتيجة لغيابه المبرمج عن المشهد السياسي... فقد دخل العمل الوطني في أزمة حقيقية. عندما التقيناه في فترة كان يبدو مدركاً لطبيعة الأزمة حيث قال إن الذمم فسدت، وكان يشير إلى بعض المنتمين للحركة الوطنية، لكنه غير قادر على المصارحة ومواجهة الموقف. العمل الوطني يعيش أزمة تاريخية حيث غابت القيادات ودخلت في صراعات فيما بينها، ولعل ما قاله عبدالله النيباري من أن سقوطه كان بسبب نيران صديقة، يعبر عن عمق الأزمة داخل الحركة الوطنية. فهذا الانقسام أضعف العمل الوطني وجعل منه مطية لكثير من ذوي النفوذ. وما يؤكد ذلك هو التحولات الكبيرة في مواقف بعض النواب المحسوبين على التيار الوطني، مثل النائب الملا والنائب الراشد اللذين يعتبران من المحسوبين على المنبر الديمقراطي. هذه الانتكاسات في العمل الوطني لها مردودها على المديين القصير والبعيد، ومن المؤكد أن هذه القوى ستجد نفسها في موقف غير قادرة فيه على الدفاع عن مواقفها، وبالتالي فإنها ستكون خاسرة سياسياً. الدكتور أحمد الخطيب بصفته أحد مؤسسي العمل الوطني العربي، يتحمل المسؤولية فيما آلت إليه الحركة، وهو يحاول أن يبتعد ويقترب وفق مواقف قوى النفوذ. التحولات الجديدة ستدفع إلى بروز قوى اجتماعية جديدة معظمها من أبناء القبائل مما يعني أن حلفاء الأمس تغيرت مواقعهم وأن المراهنة التاريخية لم تعد في مكانها حيث القبيلة هي من تقود المعارضة في المشهد الكويتي.