يُعدّ الاستثمار الأجنبي المباشر من أكثر أدوات التمويل الدولي إفادة وإيجابية بالنسبة لاقتصاد أيّ دولة، كونه لا يفرض أيّ التزامات على الدول المستقبلة له مقارنة بباقي أدوات التمويل الأخرى مثل القروض والإعانات الدوليّة، ولهذا السبب تزايد دور الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد العالميّ في الفترة الأخيرة، وتزايد تنافس الدول على اجتذابه، وتعمل كل دولة على اجتذاب المزيد من الاستثمار الأجنبي إليها، من خلال تحسين مناخ الاستثمار لديها، بتطوير البنية التحتيّة والمعلوماتيّة، وتحسين البيئة التشريعية المنظّمة والمحفّزة للاستثمار الأجنبي المباشر. وتُعدّ دولة الإمارات من أكثر دول العالم جهداً في هذا المجال، حيث نجحت في توفير بنية تحتيّة ومعلوماتيّة تعدّ من الأكثر تطوراً على مستوى العالم، كما أنها أصدرت قانوناً موحّداً للاستثمار الأجنبي المباشر، يوفر مناخاً ملائماً للاستثمار الأجنبي، ويقضي على تباين النظم التشريعية المنظمة للاستثمار الأجنبي بين الإمارات المحلية. وقد تكلّلت جهود دولة الإمارات بالنجاح، وأصبحت أكثر دول المنطقة جذباً للاستثمار الأجنبيّ المباشر، لكن مع ذلك ما زالت لدى دولة الإمارات قدرات وفرص أعلى لاجتذاب المزيد من الاستثمارات، خاصة في ظل توافر الفرص الاستثماريّة التي ما زالت تمثل عاملاً من أهم عوامل جذب الاستثمارات الأجنبيّة إلى الدولة. لكن بالرغم من كلّ هذه المميزات والقدرات الواعدة لدولة الإمارات في اجتذاب الاستثمار الأجنبيّ، يبدو أن هناك بعض السلبيّات التي ما زالت تؤثر في بيئة الأعمال لديها، ففي مسح حديث أجرته "غرفة دبي للتجارة والصناعة"، اتضح أن هناك عدداً من العقبات ما زالت تقف في وجه الاستثمار الأجنبيّ المباشر في الدولة، من أهمها ارتفاع تكاليف التشغيل، بجانب قصور المعروض من الأراضي والعقارات التجاريّة، والإبقاء على شرط توافر شريك محلي في المشروع الاستثماري. وما زالت إجراءات الحصول على التصاريح تمثل مشكلة بالنسبة للمستثمرين. وهذه العقبات تلفت الانتباه إلى ضرورة أن تستمرّ الدولة في بذل المزيد من الجهد لتحسين مناخها الاستثماري، بالتركيز على الجوانب التي ما زالت تمثل عقبات أمام الاستثمار الأجنبيّ المباشر، بأن تمنح الاستثمارات الأجنبيّة بعض الحوافز التي تساعد على تخفيض تكاليف التشغيل، كأن تدعم أسعار الطاقة، وأسعار الخدمات التشغيلية للمشروع كخدمات النقل والشحن والتخزين والتأمين. وفي ما يتعلّق بقصور المعروض من الأراضي التجاريّة، يمكن للدولة أن تنشئ المزيد من المناطق الصناعية والتجارية، وأن تمدّ المرافق إلى مناطق جديدة في الظهير الصحراوي للمدن، والمناطق الصناعية، لتوفير مزيد من الأراضي والعقارات التجاريّة بما يكفي لتغطية حاجات التوسع في الأنشطة الاستثماريّة، كما يجب أن يراعى أن تكون تكاليف الحصول على هذه الأراضي والعقارات مناسبة لاقتصادات المشروعات الاستثمارية. ويفترض كذلك إجراء مراجعة مستمرّة للإجراءات الإداريّة، وتطويرها بما يتيح مزيداً من الانسيابية، والقضاء على أيّ خطوات بيروقراطية تتعلّق بالتصاريح أو غير ذلك مما قد ينال سلباً من تنافسية البيئة الاستثماريّة مقارنة بنظيراتها في دول أخرى، ووصولاً إلى ما ننشده على هذا الصعيد. وبوجه عام يعدّ تطوير بيئة الأعمال داخل دولة الإمارات، كأي دولة أخرى، أمراً لا يمكن التوقف عنه في أيّ مرحلة من مراحل التنمية، ومهما بلغ مناخ الاستثمار في الدولة من تطور، فإنه يحتاج إلى مراجعة مستمرة، وإصلاح ما يطرأ عليه من مشكلات وعقبات أولاً بأول، كما يحتاج الأمر إلى مواكبة التطوّرات الدولية في المجال نفسه، لتمكين الاقتصاد من التسلّح بالقدرات التنافسيّة على المستوى الدولي لاجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر. ـــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.