قد لا يُلام الوزراء في الإمارات على اجتهاداتهم التطويرية، التي تبدو غريبة إلى حد ما للمتابع من خارج نطاق الوزارة المعنية. لكن هكذا هي الحياة على ما يبدو، كما يراها المسؤول من كرسي الوزارة، وهي ليست الحياة كما يبصرها المتأمل من الخارج، وبالذات في دولة لها خططها الاستراتيجية ونظرتها المستقبلية في ظل الرؤية والرسالة اللتين خطتهما القيادة الحكيمة. فالوزير مطلوب منه في نهاية الأمر أن ينجز، وتكون له بصمة واضحة للعيان في سجل هذه الوزارة أو تلك. ومن دون هذا الإنجاز، لن يكون له موقع من الإعراب، والإنجاز لن يعلم به الناس دون إعلان، وهذا لن يتحقق دون إعلام يتواصل معه الوزير، بحيث يذكر الناس بسجلاته الأسبوعية والشهرية. ومن يتابع قطوف الإعلان من هنا وهناك، يدرك أن العملية مستمرة، ويعتقد أن هناك إنجازاً يتحقق على أرض الواقع، وفجأة لسبب أو لآخر يتبدل الوزير، ويأتي غيره كي يحقق الأهداف والاستراتيجيات نفسها لكن بطرق مختلفة. وهنا تستمر المسيرة، لكن وفق نفس جديد ومشاريع متجددة، ويبدأ العاملون في الوزارة المعنية في حشد طاقاتهم، كي ينالوا رضى القيادة الجديدة، ومن كانت له وقفة مع التغيير فقد يتغير هو، وهكذا دواليك يستمر قطار التجديد، لكنه لا يصل إلى محطة ما. لا أتحدث عن لغز صعب، لكن من هو بحاجة إلى المزيد، أقدم له مثالاً واحداً من وزارة أعرفها عن قرب، والقياس على ذلك صحيح إذا عمم على جل الوزارات الاتحادية أو الدوائر المحلية في الدولة. من يقرأ تاريخ التربية والتعليم في الدولة، وبالذات في الحقبة المعاصرة، يجد كما نرى الشمس في نهار الإمارات ما أقوله أمام عينه. توجد لدينا أنظمة تعليمية تلخص تجارب العالم كله؛ لأننا إلى وقتنا الراهن لم نتوصل إلى قرار واضح لنظام يحقق تطلعات الوطن والمواطن، فهناك المدارس الخاصة التي تتوافر لديها المناهج الأميركية والبريطانية والمختلطة، وهناك المدارس الخاصة التي تتبنى مناهج وزارة التربية والتعليم مع التركيز على مواد اللغة الإنجليزية. أما في التعليم الحكومي، فنجد المدارس التقليدية مع الاعتذار عن الصفة، والمدارس النموذجية، ومدارس الغد، إضافة إلى مدارس الشراكة، والتي تديرها مؤسسات تربوية عالمية، وفي هذا الأسبوع أعلنت وزارة التربية عن خطتها لاختيار 25 مدرسة ثانوية في ست مناطق تعليمية لتطبيق مشروع المسار الواحد العام المقبل، وملخص هذا المشروع كما تناقلته وسائل الإعلام، يكمن في إلغاء القسمين العلمي والأدبي، ودمج بعض المواد في مادة واحدة، فتُدمج مادتا الأحياء والكيمياء في كتاب واحد هو الكيمياء الأحيائية ومادتا الفيزياء والجيولوجيا في مادة الجيوفيزك وتدمج مناهج الاجتماعيات. ومن الجديد في هذا النظام إمكانية أن يختار التلميذ بين بعض المواد. وهنا أقول أعان الله المتخصصين في قطاع المناهج التعليمية، على تحقيق متطلبات هذه التجربة لعام 2009 -2010. والسؤال: هل ستنتهي الأمور عند هذا المشروع؟ من يدرس واقع التعليم في الإمارات ويتابع المشاريع التي لم نقطف ثمراتها حتى يومنا هذا، يصل إلى جواب مقنع، فمدارس الغد لم تقوم تجربتها بعد وفق الأسس والمنهجية العلمية، وكذلك المدارس النموذجية، فكيف ننتقل من مشروع إلى آخر ومن تجربة إلى غيرها، ونحن لم نعرف الخلل فيما سبق، وإن كانت هناك دراسة قد أُجريت، فمتى تعلن نتائجها؟ وهنا نلخص الموضوع في محاور أولها: إما أن التجارب السابقة فاشلة، لكن ليست لدينا الجرأة على قول هذا، أو أن التجارب السابقة ناجحة، لكن لكل وزير أسلوب يريد أن يحققه. وإما الاحتمال الثالث، فأتركه لعقل من يقرأ هذا المقال، أما الحل ففي عنوان هذا المقال.