أصبح العمل على رفع معدلات السلامة المرورية، والتوعية بأهمية القيادة الآمنة توجّهاً عالمياً، باعتبارهما من الضمانات الرئيسية لمواجهة الحوادث المرورية التي باتت أحد الأسباب الرئيسية في وفاة الكثيرين، فحسب إحصاءات صدرت مؤخراً عن "منظمة الصحة العالمية"، فإن حوادث الطرق تعدّ ثاني سبب رئيسي للوفاة في العالم بين المرحلة العمرية من 5 سنوات و29 سنة. ومن هذا المنطلق، فإن الحملة التي أطلقتها، مؤخراً "هيئة الصحة" في أبوظبي تحت شعار "قيادة آمنة -حياة سالمة" تستمدّ أهميّتها، ليس فقط لكونها تستهدف الوصول إلى أكبر عدد من سكان الإمارة، ونشر ثقافة التوعية بينهم بشأن كل ما يتعلّق بأهمية السلامة العامة على الطرقات وتحديداً مخاطر السرعة الزائدة وفوائد استخدام حزام الأمان، وإنما أيضاً لأن إمارة أبوظبي أصبحت تسجّل إحدى أعلى النسب في العالم من حيث عدد الوفيات الناجمة عن حوادث السير، التي بلغت معدّل 27.4 حالة وفاة لكل 100 ألف شخص، ويشكّل الذكور نسبة مرتفعة منها. وحسب الإحصاءات الرسمية، فإن عدد المواطنين الذين يموتون بسبب حوادث السير، يفوق بأربعة أضعاف عدد المقيمين، كما أن عدد الرجال يزيد مرتين ونصف على عدد النساء. وتشير الإحصاءات أيضاً إلى وفاة 430 شخصاً، العام الماضي، جرّاء الإصابات الناجمة عن حوادث السير في أبوظبي. والأخطر فيما سبق أن أغلبية ضحايا الحوادث المرورية هم من الشباب والأطفال، فحسب مؤشرات إحصائية حديثة، فإن عدد الأطفال المتأثرين بالحوادث المرورية في أبوظبي خلال السنوات الخمس الماضية في الفترة من (2004 إلى 2008) بلغ 3477 طفلاً، كما بلغت أعداد الوفيات والإصابات البليغة بينهم 554 حالة من مجمل الوفيات والإصابات البليغة، التي بلغت 3600 حالة لتشكّل بذلك نسبة 15% من مجمل الوفيات والإصابات البليغة، كما تشير دراسة تحليل الحوادث إلى أن حوادث الدهس كانت من أكثر أنواع الحوادث المرورية التي تعرّض لها الأطفال في أبوظبي في الفئة العمرية أقل من 18 عاماً تليها حوادث الصدم، وهي في مجملها نتيجة لعدم التزام القواعد المرورية، والابتعاد عن قواعد القيادة الآمنة وسلوكيّاتها. ولا تقتصر آثار الحوادث المرورية على هذا الحدّ، وإنما لها تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية الخطرة أيضاً، إذ إن التكلفة الإجمالية للحوادث المرورية في الدولة تصل إلى نحو 4 مليارات درهم سنوياً، وتعادل 2% إلى 3% من إجمالي الناتج الوطني، وتتحمّل الخدمات الصحية جزءاً كبيراً من هذه التكلفة التي تتمثّل في العلاج والتأهيل وإعادة التأهيل، هذا بالإضافة إلى المشكلات الاجتماعية الكبيرة الناتجة عن فقدان من يعول الأسر في هذه الحوادث، وهذا لا شكّ ينعكس بالسلب على المجتمع بأكمله. وإذا كانت الحملة التي أطلقتها "هيئة الصحة" في أبوظبي تجسّد رؤيتها الهادفة إلى حصول كل مقيم في إمارة أبوظبي على رعاية صحية متوافقة مع أعلى المعايير الدولية من خلال توجيه النظام الصحي في الإمارة نحو التوعية بأهمية القيادة الآمنة، فإنها في الوقت ذاته تكمل الجهود التي تتخذها الهيئات والجهات المختلفة بالدولة والهادفة إلى رفع معدلات السلامة المرورية، خاصة لائحة "النقاط السود" التي بدأ تطبيقها في فبراير 2008، وأصبحت عنصر ردع قوياً في لجم سلوكيات السائقين المتهوّرين، خاصة الشريحة التي لم تكن تحقّق الغرامات المالية أي نجاحات تذكر معها، وقد أسهم هذا النظام إلى حدّ ما في تخفيف وطأة الحوادث والمخالفات المرورية. ولهذا كلّه، فإن القيادة الآمنة لم تعد تشكّل ضرورة حياتية واقتصادية واجتماعية وحسب، بل إنها أصبحت أحد المؤشرات المهمّة على وجود بيئة مرورية حضارية تتناسب مع ما ارتقت إليه البلاد من تقدّم في مختلف القطاعات التنموية أيضاً. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية