تحظى المشروعات الصغيرة والمتوسطة باهتمام ورعاية الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وهي تمثل حوالي 90 في المئة من إجمالي الشركات في العالم، وتوفر نحو 55 في المئة من إجمالي فرص العمل المتاحة، وتسهم بحوالي 46 في المئة من الناتج المحلي العالمي، وتقدر حصتها من إجمالي الناتج القومي الأوروبي بنحو 65 في المئة، ومن الناتج القومي الأميركي بحوالي 45 في المئة. لكن ماذا يمثل هذا النوع من المشروعات في واقع الاقتصاد العربي؟ وما دوره في النهوض الاقتصادي المؤمل، وفي إنجاز التنمية ومكافحة البطالة والفقر وتحقيق التنوع الاقتصادي؟ في الكتاب الذي نعرضه هنا، يدرس الباحث الاقتصادي حسين عبد المطلب الأسرج "دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في التنمية الصناعية في الدولة العربية"، مسلطاً الضوء على واقع هذه المشروعات في الاقتصاد العربي، ومحللا أهم التحديات التي تواجه الصناعة العربية. وكما يبين المؤلف فإن آراء الاقتصاديين تجمع على الأهمية المتعاظمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد القومي، سواء في البلاد المتقدمة أو النامية، خاصة في ظل الاحتياج المتزايد لتوليد فرص العمل المنتجة.وفي الدول العربية، وهي جزء من العالم النامي، تحتل هذه المشروعات أهمية كبيرة؛ وذلك لقدرتها على توليد الوظائف بمعدلات كبيرة وبتكلفة رأسمالية قليلة، ولمساهمتها في معالجة مشكلة البطالة. كذلك تتمتع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بروابط خلفية وأمامية قوية مع المشروعات الكبيرة، وتساهم في زيادة الدخل وتنويعه، ورفع القيمة المضافة المحلية، كما تمتاز بكفاءة استخدام رأس المال -على محدوديته- نظراً للارتباط المباشر لملكية المشروع بإدارته. وتعد المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة النمط الغالب للمشروعات في الدول العربية؛ فهي في مصر تشكل نحو 99 في المئة من جملة المؤسسات الاقتصادية الخاصة غير الزراعية، وتساهم بحوالي 80 في المئة من إجمالي القيمة المضافة التي ينتجها القطاع الخاص، وتستوعب ثلثي القوة العاملة وثلاثة أرباع العاملين في الوظائف الخاصة خارج القطاع الزراعي. أما في دولة الكويت فيشكل هذا القطاع نحو 90 في المئة من المؤسسات الخاصة العاملة. وفي لبنان تمثل مؤسساته نحو 95 في المئة من إجمالي المؤسسات، ويساهم بنحو 90 في المئة من الوظائف المتوفرة. أما القطاع الصناعي في الدول العربية، كما يشرح المؤلف، فإنه يؤدي دوراً مهماً في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويساهم بشكل فعال في الناتج المحلي الإجمالي، ويشكل العمود الفقري للصادرات السلعية. فقد حقق هذا القطاع بشقيه، الاستخراجي والتحويلي، في عام 2006، قيمة مضافة قدرها 632.8 مليار دولار تقريباً، أي 49.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العربي، كما يوفر 19.2 مليون فرصة عمل، بما نسبته 16.3 في المئة من إجمالي القوى العاملة العربية. ورغم المحاولات الجادة لتطوير الصناعة العربية وتنميتها، فإن الصناعة التحويلية تساهم بصورة متواضعة في الصناعة العربية، وذلك بنحو 19 في المئة فقط، ما يعني أن الدول العربية تحتاج إلى بذل جهود عظيمة لدعم الصناعة التحويلية وتطويرها، وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، خاصة إذا علمنا أن عدد هذه المشروعات في الدول العربية قدر بأكثر من 341 ألف مشروع، تمثّل نسبة 90 في المئة من الحجم الكلي لقطاع الصناعة التحويلية العربية، وأن عدد العاملين بها يصل 3.2 مليون عامل، وأن إنتاجها يمثل نسبة 40 في المئة من القيمة المضافة الكلية للصناعة التحويلية العربية في عام 2003. وإلى ذلك يوضح المؤلف أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية، تكتسب أهميتها من اعتبارات تتعلق بخصائص هياكلها الاقتصادية والاجتماعية، ونسب توافر عوامل الإنتاج، والتوزيع المكاني للسكان والنشاط. لكنه يلاحظ أن هذه المشروعات ما زالت تعاني الكثير من العقبات الهيكلية التي تعترض طريق نموها، ومن ذلك عقبة التمويل؛ فرغم أن العديد من الدول العربية أنشأت مصارف للتنمية الصناعية وللاستثمار وللإقراض الميسّر؛ فإن قلة من الشركات الخاصة، خارج منطقة الخليج، هي التي تتمكن من الحصول على الائتمان. هكذا يوضح الكتاب أن للمشروعات الصغيرة والمتوسطة دوراً كبيراً تلعبه في التنمية الصناعية، ومن ثم فترقيتها أمر ذو أهمية كبيرة، نظراً للخصوصيات التي تتصف بها؛ مثل صغر الحجم، ومحدودية رأس المال المستثمر، وكونها غالباً لا تتطلب تكنولوجيا معقدة، إضافة إلى مرونتها العالية، وسهولة تسييرها واتخاذ القرار فيها. وهي خصائص مكنتها من لعب أدوار مهمة؛ كامتصاص البطالة، وتلبية احتياجات السكان، والمساهمة في خلق القيمة المضافة، وتحقيق التوازن الجهوي. بيد أن نجاح قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة يعتمد على توفر بيئة إيجابية محفزة، ما يستدعي وضع خطة قومية لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية، ولإيجاد نوع من الترابط والاتصال بهدف توحيد مفهوم المشروع الصغير والمتوسط وتوصيفه، سواءً من حيث حجم العمالة، أو رأس المال، أو التكنولوجيا... ولجعل هذا النوع من المشروعات رافد تطوير وتنمية للاقتصادات العربية. محمد ولد المنى --------- الكتاب: دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في التنمية الصناعية في الدول العربية المؤلف: حسين عبد المطلب الأسرج الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2009