تتنافس في الانتخابات البرلمانية اللبنانية الراهنة أهم جبهتين هما قوى 14 آذار -التي تدعم الدولة والجيش، وقوى 8 آذار -المدعومة من سوريا وإيران، والتي تسعى للتمكن من كراسي الدولة لإحداث تغيّرات مهمة سواء على الخريطة الداخلية أم الخارجية، وأهمها المواجهة مع إسرائيل؛ بالإضافة إلى جبهات أخرى. وفيما يدور نقاش حاد حول "تسفير" اللبنانيين المقيمين في الخارج إلى لبنان من أجل دعم مانحيهم؛ وإعطائهم تذاكر سفر وإقامات في فنادق 5 نجوم كسباً لأصواتهم لصالح هذا الفريق أو ذاك، فإن تقريراً كنسياً مُهماً قد تم رفعه من قِبل ممثلي الكنائس المسيحية في لبنان -في عواصم غربية- يحتوي على رؤية هذه الكنائس لواقع الحال لو فاز "حزب الله" ومناصروه في الانتخابات المقبلة. ويرى التقرير أن فوز "حزب الله" في هذه الانتخابات سيساهم في تحويل لبنان إلى قاعدة إرهابية في الشرق الأوسط، بديلة عن أفغانستان والعراق، اللتين تراجعت فيهما الحركاتُ الإرهابية بصورة واضحة خلال الأعوام الأربعة الماضية. ويرى التقرير أن تراجعَ الأعمال الإرهابية التي تقوم بها "القاعدة" سيمكّن نصرالله من أن يكون بن لادن الجديد. حيث إن الأخير يعاني الحصار الشديد على الحدود الأفغانية- الباكستانية. خصوصاً بعد القضاء على قيادات بارزة من معاونيه. كما أشار التقرير إلى إجراءات "حزب الله" في العام الماضي مُعتبراً ما حصل انقلاباً على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، ومحاولة لإضعافها. وهو الآن أصبح جاهزاً لاستلام مقاليد الحكم في البلاد عبر حليفه "ميشال عون" كرئيس جديد؛ أو بواسطة تعديلات في الدستور اللبناني -عبر البرلمان- في حال فوز "حزب الله" بأغلبية في هذا البرلمان. ولا يغفل التقرير إمكانية اغتيال رئيس الجمهورية -على غرار اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وعدد من قادة الرأي والمسؤولين اللبنانيين. ويشير التقرير إلى تجاذبات واتهامات من "حزب الله" باستخدام "إعلانات" التزوير في الانتخابات، واعتبارها ذريعة لخروج جماعة "حزب الله" ومناصريه من إيران وسوريا، في استعراضات في الشوارع كما حصل في السابق. وكان المَرجع الشيعي محمد حسين فضل الله، قد انتقد قيام دول بصرف مئات الملايين على الناخبين اللبنانيين لدعم الانتخابات المقبلة، مشيراً إلى استغلال هذه الدول للأحوال الاقتصادية في لبنان. وأفتى (فضل الله) بتحريم المال الانتخابي للطرفين (الدافع) و(القابض)، مُطالباً بحرية الإنسان اللبناني في اختيار مرشحيه. وأكد أن البلد بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية تعيد إدارة الأمور في سياق جيد. ويبدو من الاتهامات والاتهامات المضادة بين الأطراف اللبنانية المتواجهة قبيل الانتخابات أن حالة التوجس قد بدأت تسيطر على الشارع اللبناني من انفراد أحد الأقطاب، أو (القوى)، بالقرار أو محاولة تخريب الانتخابات؛ فيما لو سارت الأمور على غير ما يرتضيه. وهو ما يُذكّر بقيام مسلحي "حزب الله" و"حركة أمل" بممارسات أغضبت الشارع اللبناني المناوئ؛ والشارع العربي والعالمي، عندما اجتاحت قواتهما العاصمة بيروت في مايو من العام الماضي، وشلت حركته السياحية، وإمكانية حدوث ذات المشهد بعد الانتخابات المقبلة. وفي يوم الجمعة 22 مايو 2009 أعلن "نصر الله" أن فوز المعارضة -يعني تحالفه- في الانتخابات النيابية في لبنان سيمهّد الطريق لبناء الدولة القوية. ودعا أنصاره إلى التصويت للمقاومة -يقصد "حزب الله"- مؤكداً الحاجة إلى دولة قوية، قادرة، عادلة، شجاعة، ومسؤولة بجيشها وقواها الأمنية وسلطتها السياسية لتدافع عن الجنوب وتصون كرامة الجنوب الحدودي مع إسرائيل. وكانت أوساط ديمقراطية في مجلس الشيوخ والنواب الأميركيين قد ذكرت أن التقرير الأخير لمبعوث الأمم المتحدة، "تيري لارسن"، المتعلق بمتابعة تطبيق القرار الدولي رقم 1559 قد دان "حزب الله" لعرقلته بسط الدولة اللبنانية كامل سيادتها على أراضيها والاستمرار في تهريب السلاح إلى قواعده عبر الأراضي السورية. كما أحدث التقرير المذكور ردة فعل قوية داخل مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين. وهو ما أدى إلى رفع تقرير إلى الرئيس الأميركي أوباما، يطالب باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ ما تبقى من بنود القرار الدولي، وهو (تجريد "حزب الله" والميليشيات الفلسطينية من السلاح). وكانت لجنتان من وزارة الدفاع والاستخبارات المركزية الأميركية قد رفعتا تقريراً آخر للرئيس السابق بوش يدعو إلى اتخاذ إجراءات شديدة ضد كل من سوريا وإيران، من أجل تجميد دعمهما لـ"حزب الله"، وكان من ضمن المقترحات أن تتواجد قوات دولية جديدة قوامها 5 آلاف رجل في جنوب لبنان لتجريد (الحزب) من سلاحه. ولا يُخفي التقرير وقوفَ إسرائيل، ودول عربية وإقليمية في صف الولايات المتحدة، على اعتبار ضرورة محاصرةِ إيران وتطلعاتها التوسعية في المنطقة، وإمكانية الاستفادة من إمكانيات حلف شمال الأطلسي، فيما لو تطلب الأمر. وفي يوم الجمعة 22 مايو2009 أيضاً أكد نائب الرئيس الأميركي "جو بايدن" -خلال زيارته لبيروت- دعمَ الرئيس الأميركي أوباما للبنان وللمحكمة الدولية، واستمرار برنامج الدعم العسكري الأميركي للبنان. أما "حزب الله" فقد رأى في تلك الزيارة ما يُثير "الريبة" حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراءَها، معتبراً الزيارة تدخلا صريحاً وتفصيلياً في الشأن اللبناني. ويتحدث الشارع اللبناني عن قيمة الدَّين على لبنان -الذي يقترب من 43 مليار دولار- وأن فوائد سندات الخزينة يضاعفُ الدين من 4-5 مليارات دولار كل عام. كما يتحدث البعض في الشارع عما يُسمّونه تلطفاً "الهَدر"! وهو سوء إدارة المال العام. ويتحدث الشارع اللبناني كذلك عن ضرورة استمرار محاكمة المتورطين في اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وكذلك قضية استملاك (المتنفذين) غير المقنن للأراضي والشواطئ اللبنانية والتهرّب من دفع فواتير الكهرباء والماء التي يدفعها المواطن العادي، بينما تكون "مباحة" لهؤلاء الذين لا يطالهم القانون. كما يتحدث الشارع اللبناني أيضاً عن السلاح المتوفر للأفراد والجماعات المختلفة التوجهات والميول، ويرى البعض ضرورة جمع السلاح، وعدم ترك لبنان ليكون حارة "كل من إيدو إلو" على طريقة الفنان "غوار الطوشة". وليس هذا كل شيء. إذ يتحدث الشارع عن ضرورة توفير وظائف جديدة لجيل الشباب، وخصوصاً أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة في العالم قد أفرزت مجموعة سلبية من المؤشرات. ومجمل القول إن لبنان، هذا البلد الجميل والمريح، والذي يكون ملاذاً عند اشتداد الخطوب على العرب وسُياحهم، أو بروز أوبئة أو مواقف عدائية تحدّ من سفر العرب إلى أوروبا وأميركا، مازال غير متعافٍ سياسياً؛ بحكم التنوع الطائفي وقوة الأصابع الخارجية التي تعبث بأقداره. ونحن نعتقد أن التزام جميع اللبنانيين بدستورهم، وباتفاق الطائف، واتفاق الدوحة الأخير، سيضمن لهم شفاءَ بلدهم من علله. ليعود ويأخذ دوره في مقدمة الدول العربية التي تعلمّنا حق الحب، وحق الحرية، وحق الجمال.