يعكس قرار مجلس الوزراء، مؤخراً، إنشاء "مجلس الإمارات للتوطين"، الموقع المتقدّم الذي تحظى به عملية التوطين في استراتيجية التنمية الشاملة في دولة الإمارات، والجدية الكبيرة في التحرّك من أجل تحويل الخطط والاستراتيجيات والتوجّهات في هذا الشأن إلى واقع عملي ملموس على أرض الواقع. والمؤكد أن "مجلس الإمارات للتوطين" سوف يحقق التنسيق الإجرائي والتخطيطي المطلوب، الذي كانت تتم الدعوة إليه كثيراً خلال الفترة الماضية، بين الجهات والمؤسسات المختلفة المعنيّة بتشغيل المواطنين، حيث يضم ممثلين عن مجالس التوطين وهيئاته على المستويين الاتحادي والمحلي، وأيّ جهات أخرى تساعد في عمل المجلس. وهذا يعني أنه قد أصبح هناك إطار وطني اتحادي جامع لكل الجهود والمبادرات والتحرّكات في هذا الشأن، بما يعظّم الاستفادة منها من ناحية، ويقضي على التكرار أو التعارض أو التفاوت فيما بينها من ناحية أخرى. لن يحل "مجلس الإمارات للتوطين" محل الجهات المعنيّة بهذه المهمة محلياً واتحادياً، التي تقوم بجهود كبيرة وملموسة في مجال اهتمامها، ولديها أفكارها وأطروحاتها المهمة والمتقدّمة التي قدمتها وما زالت تقدمها، وإنّما سيعمل على وضع الاستراتيجيات والخطط والضوابط والمعايير اللازمة في شؤون التوطين، وتقديم الدعم اللازم لضمان تنمية مهارات المواطنين وقدراتهم على التنافس في سوق العمل، أي إنه سيمثل المرجعيّة العليا التي تصوغ الضوابط والأهداف التي يعمل في ظلّها الجميع، وهذا سيضمن توافقاً في حركة الجهات المختلفة المعنية بالتوطين، وتنسيقاً في الجهود والسياسات بما يعظّم من النتائج بشكل كبير. العمل من أجل توطين الوظائف يجب أن يتم ضمن استراتيجية شاملة، لا تقتصر على حصر الباحثين عن عمل من المواطنين، وتصنيفهم، والسعي إلى توظيفهم في الجهات المختلفة، الحكومية أو الخاصّة، فقط، وإنما العمل ضمن دائرة أكثر اتساعاً عنوانها الرئيسيّ هو رفع تنافسية الكوادر المواطنة في سوق العمل، والقضاء على أي صور أو مسلّمات نمطية مشوهة في هذا الشأن، وهذا يتحقق عبر التوفيق بين برامج التعليم ومناهجه في مراحله المختلفة وحاجات السوق، والقضاء على الفجوة القائمة بين الجانبين حالياً، والتوسّع في عمليات التدريب وإعادة التأهيل للمواطنين من خلال خطط وبرامج واضحة ومحدّدة الأهداف، والتغلّب على النظرة السلبية تجاه بعض الوظائف على الرّغم من أهميتها وحيويتها في المجتمع، وغير ذلك من الأمور التي تفتح أبواب العمل أمام المواطنين في التخصّصات كلّها، وتجذب المؤسسات والشركات إليهم من منطلق الاقتناع بخبراتهم وكفاءاتهم وقدراتهم على الإضافة إلى مجال العمل الذي يلتحقون به. وهذه النظرة الشاملة لقضيّة التوطين هي التي تقف وراء إنشاء "مجلس الإمارات للتوطين"، الذي يمثل نقلة نوعيّة في جهود الدولة الهادفة إلى وضع المواطنين والمواطنات في قلب سوق العمل. لعلّ من أهم ميزات المجلس الجديد أنه، وفقاً لتصريحات حميد القطامي، وزير التربية والتعليم، رئيس مجلس إدارة الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية، التي نشرتها صحيفة "البيان" أمس، سوف يُعنى بتوطين الوظائف في القطاع الخاص، وهذا اقتراب من مجال رئيسيّ يشهد اختلالا كبيراً لغير مصلحة العمالة المواطنة، ويُعدّ المسؤول الأكبر عن الخلل الحادث في التركيبة السكانية والخطر الذي يتهدّد الهوية الوطنية، وبالتالي فإن المعيار الأساسي لنجاح سياسة التوطين هو تثبيت أقدام المواطنين في هذا القطاع، وجعله مجالا رئيسياً من مجالات توظيفهم والاعتماد عليهم في مواصلة عملية التنمية الشاملة وصولا إلى الطموحات التي ننشدها جميعاً لهذا الوطن. ــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.