يعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاعباً محورياً في عملية السلام في الشرق الأوسط، بيد أن الحقيقة هي أنه إذا ما أراد التوصل إلى صفقة سلام قريبة فإنه يتعين عليه: أولا، الموافقة على كافة تفاصيل حل الدولتين مع أوباما، ضد "نتانياهو" الذي لم يقبل بعد مبدأ قيام دولة فلسطينية. ثانياً، عليه التغلب بكيفية ما على الانقسام في الصف الفلسطيني بين حركة "فتح" التي تسيطر على الضفة الغربية، وحركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، والتي لم تقبل بعد، هي الأخرى، بحق إسرائيل في الوجود. وقبل اجتماع عباس مع أوباما في البيت الأبيض، وفي جناحه بفندق "ريتز كارلتون" أصر على أن دوره الوحيد هو الانتظار: الانتظار حتى تمتثل "حماس" لطلبه القائل إن أي حكومة وحدة وطنية فلسطينية يجب أن تعترف بإسرائيل وتتعهد بنبذ العنف. والانتظار حتى تتمكن إدارة أوباما من إجبار نتانياهو العنيد على تجميد عملية بناء المستوطنات، والقبول علنا بحل الدولتين. وفي انتظار قبول إسرائيل بمطالبه، يقول الرئيس الفلسطيني إنه سيرفض البدء في المفاوضات، بل إنه لن يوافق حتى على مساعدة "جورج ميتشيل"، مبعوث أوباما إلى الشرق الأوسط، في إقناع الدول العربية باتخاذ عدد محدود من إجراءات بناء الثقة. وقال عباس في المقابلة التي أجريت معه: "لا نستطيع الحديث مع العرب ما لم توافق إسرائيل على تجميد بناء المستوطنات، وتعترف بحل الدولتين...". غير أن المخضرمين في متابعة محادثات السلام الفلسطينية- الإسرائيلية يرون موقف عباس هذا مألوفاً تماماً: فما يحدث في هذه المحادثات عادة هو أن يبدأ كل طرف بالقول إنه لن يستطيع أن يقدم على خطوة ما لم يقدم الطرف الآخر تنازلات واسعة النطاق. ومثال ذلك ما أعلنه نتانياهو أثناء زيارته إلى واشنطن الأسبوع الماضي عندما قال "إن الفلسطينيين يجب أن يبدأوا بالاعتراف بيهودية إسرائيل"! بيد أن الشيء المثير للانتباه بشأن موقف عباس المتشدد، هو ما يقوله حول الرسالة التي بعثتها خطوات أوباما الأولى في الشرق الأوسط إلى الفلسطينيين والحكومات العربية، والتي أوضحت بجلاء أن عبء التغيير في الشرق الأوسط يقع على عاتق الإسرائيليين -خلافاً لموقف الإدارة السابقة- حيث أكد أوباما مراراً وتكراراً، وعلى نحو علني على أهمية الحاجة لتجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية، بدون أي استثناء. وبموقفه هذا يكون أوباما قد أحيا من جديد وهماً طالما راود الفلسطينيين وهو أن الولايات المتحدة سترغم إسرائيل على تقديم تنازلات حاسمة، بصرف النظر عن موافقة أو عدم موافقة حكومة تل أبيب، في الوقت الذي يكتفي فيه العرب بمشاهدة ما يحدث والتصفيق له. وبالطبع، ليس هناك من شك في أن أوباما، إذا ما أراد أن يتوسط من أجل التوصل إلى تسوية في الشرق الأوسط، فسيتعين عليه أن يتغلب على عناد نتانياهو وتطرف حزب "الليكود"، الذي لم يكيف نفسه حتى الآن على القبول بفكرة أن إسرائيل ستجد نفسها في خاتمة المطاف مضطرة للتخلي عن معظم أراضي الضفة الغربية وإجلاء عشرات الآلاف من مستوطنيها. ولكن ينبغي أيضاً أن نضع في اعتبارنا أن الفلسطينيين، من جانبهم، لا يزالون بعيدين للغاية عن هضم الواقع كذلك. فحتى إذا ما نحّينا "حماس" جانباً، وكذلك إصرارها على إزالة إسرائيل، فإن عباس نفسه -الذي يوصف بأنه أكثر الزعماء الفلسطينيين اعتدالا- ساعد العام الماضي في تحديد مصير حكومة "أولمرت" بالخروج من الحكم سلفاً، وذلك من خلال رفضه لإطار معروض قيل إنه "سخي" لدولة فلسطينية. ففي اجتماعنا الأربعاء الماضي، اعترف عباس بأن أولمرت كان قد أطلعه على خريطة لدولة فلسطينية تقوم على 97 في المئة من أراضي الضفة الغربية -وإن كان قد اشتكى من أن القادة الإسرائيليين رفضوا تسليمه نسخة من تلك الخريطة على رغم مطالبته بذلك. وأكد عباس أن أولمرت قد "قبل بمبدأ حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة"، وهو شيء لم يفعله رئيس وزراء إسرائيلي من قبل، كما عرض أيضاً أن يعيد توطين عدة آلاف من هؤلاء اللاجئين داخل إسرائيل. وفي المجمل، كان عرض أولمرت للسلام مع الفلسطينيين، أكثر كرماً من عروض إدارتي بوش أو كلينتون. ومن المستحيل تقريباً تخيل أن أوباما، أو أي حكومة إسرائيلية، يمكن أن تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك الحد. ومع ذلك، فإن عباس رفض هذا العرض لأن" الفجوات كانت واسعة" كما قال. وهو وفريقه يدركون تماماً أن نتانياهو لن يوافق أبداً على تجميد المستوطنات، لأنه إن فعل ذلك فإن الأمر المؤكد تقريباً هو أن الائتلاف الحكومي الذي يقوده سينهار تلقائياً. ولذلك فإنهم يخططون للجلوس ساكنين، ومراقبة الولايات وهي تضغط ببطء لإخراج رئيس الوزراء الإسرائيلي من منصبه. وواضح أن عباس يرفض بقوة فكرة تقديم تنازلات مسبقة للإسرائيليين مثل الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، لأنه سيعني بالتالي تخليه عن الحق الخاص بإجراء عملية إعادة توطين واسعة النطاق للاجئين الفلسطينيين. وبدلا من ذلك يقول إنه لن يحرك ساكناً، وإنه "سينتظر حماس حتى تقبل بالتزاماتها الدولية، وينتظر إسرائيل حتى تجمد المستوطنات" كما قال. وأضاف عباس: "حتى يتحقق ذلك، لدينا في الضفة الغربية واقع جيد... وهو أن الناس هناك يعيشون حياة طبيعية". والسؤال: ألا يعني ذلك أن إدارة أوباما، وبناء على هذا الموقف السلبي، يمكن أن ترى أنه ليس هناك مشكلة بالنسبة للفلسطينيين أيضاً؟ جاكسون ديل ________________ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"