في 18مايو الجاري، وعندما التقى أوباما نتانياهو لأول مرة في البيت الأبيض، تحدث الرئيس الأميركي عن ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، تُنهي الصراع الطويل في الشرق الأوسط، ودعا إلى تجميد بناء المستوطنات ووقف تشييد المزيد منها في الضفة الغربية، لكن من جانبه كان واضحاً انصراف رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موضوع آخر، ينصب حول الخطر الإيراني، وضرورة معالجة ملفها النووي، بما يضمن مصالح إسرائيل ويحفظ أمنها، غير مكترث بالقضية الفلسطينية والالتزامات الإسرائيلية تجاهها بسبب ائتلافه "اليميني"، الذي يرفض مبدأ الدولة الفلسطينية. ومع ذلك، تبقى السياسة الخارجية الأميركية في هذه المرحلة منتبهة إلى ما يجري في الشرق الأوسط وحريصة على عدم اندلاع مواجهات إقليمية قد تؤثر على انسحاب قواتها من العراق، لذا كان الرئيس الأميركي مباشراً مع نتانياهو حين أطلعه على "المخاوف العميقة من احتمال امتلاك إيران للأسلحة النووية"، دون أن يحدد إطاراً زمنياً لإنهاء الانفتاح على إيران، كما كان يأمل رئيس الوزراء الإسرائيلي، وإنْ كان قد حدد نهاية السنة الجارية كموعد لتقييم السياسة الأميركية تجاه إيران، دون أن يعني ذلك أيضاً إدارة ظهره للحوار معها، أو الانخراط في عمل عسكري يستهدف منشآتها النووية. وقد عبر أوباما عن رؤيته تلك بقوله "سنكون قد شكلنا فكرة واضحة مع نهاية السنة الجارية حول ما إذا كنا نسير في الطريق الصحيح، وما إذا كانت الأطراف المعنية تحرز أي تقدم لتسوية الخلافات القائمة"، وقبل اللقاء بين الرجلين في البيت الأبيض بأسبوعين، كانت لافتة الزيارة التي قام بها مدير وكالة الاستخبارات المركزية، "ليون بانيتا"، إلى إسرائيل، والتي اعتبرها المراقبون تحذيراً أميركياً للدولة العبرية من شن هجوم مفاجئ على إيران دون إبلاغ مسبق لإدارة أوباما، وطبعاً كانت واشنطن، وهي تحذر تل أبيب من التسرع في اتخاذ قرار غير محسوب، تستحضر الهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي العراقي "تموز" في عام 1981. لكن ألم يكن باستطاعة الولايات المتحدة التواصل مباشرة مع إسرائيل عبر الوسائل التكنولوجية المتطورة لتحذيرها دون إرسال مدير وكالة الاستخبارات المركزية، ثم ألم تكن أميركا قادرة على إسناد المهمة إلى سفارتها في إسرائيل لمتابعة هذه القضية التي تهم البلدين معاً، بحيث كان يكفي لقاء سري بين السفير الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي لإيصال الرسالة الأميركية، وتوضيح موقف واشنطن من استهداف المنشآت النووية الإيرانية في هذه الظرفية الحساسة التي تستعد فيها الولايات المتحدة لسحب قواتها من العراق؟ ولا ننسى أيضاً أن إشراك الـ"سي. آي. ايه" في العملية سيلقي بالكثير من الشكوك حول المساعي الأميركية، لا سيما في ظل السمعة السيئة التي تتمتع بها الوكالة في الخارج؛ لذا يبدو أن واشنطن عندما أرسلت "بانيتا" إلى إسرائيل لم يكن الغرض تحذير إسرائيل بقدر ما كان تخويف إيران بأن أمراً ما يجري وراء الكواليس، وبأن الهدف هو تحذيرها مما قد تتعرض له إذا أصرت على مواصلة برنامجها النووي. وبعيداً عن احتمالات المواجهة بين الغرب وإيران، تسعى الولايات المتحدة في هذه المرحلة إلى التمسك بأي إشارة قد تؤدي إلى تحسن ولو نسبي في علاقاتها مع طهران، ففي 19 من شهر أبريل الماضي تعرضت "روكسانا صبري"، وهي صحفية أميركية من أصل إيراني للاعتقال في إيران بتهمة التجسس، وأودعت سجن "إيفين" بطهران بعد محاكمة صورية جزم الجميع أنها كانت مسيسة، لكن السلطات الإيرانية وفي بادرة إيجابية، أطلقت سراحها في 11 من شهر مايو الجاري، ربما بعد الانفتاح الأميركي، وعدم رغبتها في تكريس حالة العزلة التي تعاني منها دولياً. ومع أن الرئيس أوباما وصف الإفراج عن الصحفية بأنه "خطوة إنسانية"، يبقى السؤال ما إذا كانت أميركا ستنتقل إلى مرحلة متقدمة في الانفتاح على إيران، أم أنها ستنتظر المزيد من العلامات الإيجابية. ولا بد من الإشارة إلى أن الانفتاح الأميركي يأتي على خلفية التحفظ السائد حالياً في أوساط المؤسسة العسكرية الأميركية إزاء ضرب إيران عسكرياً، فقبل أيام قليلة فقط، أعد مركز "الدراسات الدولية والاستراتيجية" في واشنطن تقريراً يعدد العقبات الرئيسية التي ستواجه إسرائيل في حال قررت قصف المنشآت النووية الإيرانية، فحسب التقرير "ستحتاج إسرائيل إلى قوة جوية تصل إلى 90 طائرة حربية تجوب أجواء معادية، وفي الوقت نفسه تشوش على الرادارات لإسقاط قنابل كبيرة تدمر المنشآت المدفونة عميقاً تحت الأرض وضربها من زوايا معينة لضمان نجاح القصف". وقدر التقرير أن "إسرائيل ستفقد ثلث قوتها الجوية، وهو ثمن باهظ بالنسبة لضربة قد تؤخر في أحسن الأحوال البرنامج النووي دون أن تقضي عليه، بل قد تدفع إيران إلى تسريع برنامجها، هذا فضلاً عن الإشعاع الذي ستتسبب فيه الضربة، وهو ما سيقتل الآلاف من المدنيين". وبالطبع، لن تقف إيران مكتوفة الأيدي إزاء ضربة إسرائيلية، فهي تملك صواريخ قادرة على الوصول إلى الدولة العبرية، حيث أطلقت في يوليو من العام 2008 نسخة جديدة من صاروخ "شهاب-3" الذي يصل مداه إلى 1250 ميلاً، ومن المحتمل أيضاً أن تحمل الصواريخ الإيرانية رؤوساً كيماوية. والأكثر من ذلك، تستطيع إيران تعقيد الوضع في العراق بالنسبة للقوات الأميركية بتحريك الميلشيات الشيعية واستهداف الجيش الأميركي، بل تستطيع زعزعة الوضع في أفغانستان من خلال دعم "طالبان" ضد قوات حلف شمال الأطلسي. لكن الأمر لا يتعلق بالولايات المتحدة وحدها، بل يمتد إلى باقي الدول الغربية بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، بشأن الملف النووي الإيراني وهدد فيها بأنه من غير المقبول السماح لطهران بالحصول على القنبلة قائلاً: إن الخيار سيكون بين "قنبلة إيرانية أو ضرب إيران". هذا هو الوضع الذي يبدو عليه الملف الإيراني اليوم، ويبدو أن الموقف الفرنسي الذي عبر عنه ساركوزي تتقاسمه العديد من القوى الغربية، ناهيك عن بعض الدول العربية المتوجسة من تمدد النفوذ الإيراني، لكن بالنسبة لأوباما الذي قام ببداية جيدة إلى حد الآن، فعليه أن ينتظر ظهور موقف إيراني واضح قبل اتخاذ القرار النهائي.