"القدس" مقدسة باعتراف العالم وليس العرب والمسلمين وحدهم، فهي ليست ملكاً خاصاً للفلسطينيين وإن كانت من أهم الأجزاء التي يتم التفاوض حولها في الصراع العربي/ الإسرائيلي. يمكن القول إن الدفع بـ"القدس" نحو العالمية وليس التدويل هو الأسلم لحل إشكالية العاصمة المرتقبة لدولتين متجاورتين "شرقية" و"غربية". وفي خضم هذا الصراع يستحيل فصل البعد الديني عن القدس لأنها مهبط الأديان السماوية الثلاثة وفيها ستقع أحداث دينية غيبية باعتراف الأمم المنتمية إلى الأديان ذاتها، حتى لدى فصائل علمانية، ممن يظهرون الفصل بين الدين والسياسة. والقدس يدور حولها صراع سياسي، فضلا عن البعد الديني اللصيق بها منذ قرون، فإسرائيل تريدها عاصمة سياسية أبدية وفي الوقت نفسه أيضاً ترغب في تحويلها إلى "فاتيكان" أخرى في المنطقة. ومن الناحية الدولية فوضع "القدس" معلق بالقرار القديم للأمم المتحدة والذي ينص فحواه على الوضع الخاص لـ"القدس" بمعنى أنها غير معترف بها كعاصمة أبدية لإسرائيل ولا هي كذلك بالنسبة للفلسطينيين. فالأمر معلق حتى تحين ساعة الصفر الأخيرة للمفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية أو حتى بعد الموافقة على السلام الشامل والعادل مع كل الأطراف المعنية بالصراع مباشرة أو القبول بصفقة شاملة تجمع فلسطين وسوريا ولبنان في سلة واحدة مع الإجماع العربي على ذلك، وهو ما كان مطروحاً قبل الأحداث الأخيرة في غزة وأصبح بعدها قابلا للانسحاب من على الطاولة في أي لحظة إذا لم تقدم الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة التنازلات الخاصة بالموافقة النهائية وهو ما ترغب فيه الإدارة الأميركية بقيادة أوباما. فالقرار الأممي حتى هذه الساعة لصالح القدس، ولصالح القضية الفلسطينية في آن واحد، والتمسك به كنقطة جوهرية أثناء المفاوضات النهائية أمر يمكن أن يحسم من خلاله قضايا خلافية كبيرة وعلى رأسها الوضع المعلق الآن إلى الوضع الذي يجد القبول لدى المتفاعلين بإيجابية مع القضية الفلسطينية ما عدا الطرف الإسرائيلي الذي يماطل كثيراً من أجل تغيير الخريطة الفلسطينية على الأرض، وهنا تكمن الخطورة في تفاقم الأوضاع بدل الوصول إلى نقطة نستطيع من خلالها أن نقول إن مصير القدس يجب أن يحدد بكونها نقطة السلام الجوهرية التي ينبغي أن يلتف حولها أصحاب الديانات الثلاث بعيداً عن البعد السياسي، فعولمة القدس هي لصالح الشعبين، لأنها سوف تزيل عنصر الصراع الدائر حالياً حولها منذ عقود. وإذا كانت المؤشرات الحالية تدل على أن قيام دولة فلسطينية مستقلة لن يحدث فجأة، ولن تقوم قبل أعوام قادمة لا تقل عن الفترة الرئاسية الخاصة بأوباما ونتانياهو، فإلى تلك الساعة يمكن وضع استراتيجية فلسطينية وعربية وإسلامية لكسب العالم أجمع لصالح قيام هذه الدولة وذلك تجنباً للوقوع في فخ القضايا الجزئية التي يتم الحديث عنها طويلا دون جدوى عملية أو تحقيق انتصارات سياسية في الواقع، ففلسطين في الماضي ومن خلال "القدس" كانت ملتقى العالم الصغير في القرون السابقة، ويجب أن تعود مرة أخرى لكي تكون الملتقى المناسب للعالم الأكبر. فالسياسة التي ستدار بها الأمور في المستقبل القريب، والتي تستطيع أن تدمج البعد الديني في السياسي لحال "القدس" المشترك بين كل الأديان، هي التي ستحدد المصير النهائي للقدس دون أن يتم تقسيمها شرقاً وغرباً وهذا هو التحدي الذي يجب أن يشارك فيه العالم أجمع بعيداً عن وجود قوات دولية لفرض السلام في أرض السلام.