هناك تيار مهم في أوساط الرأي العام الأميركي "المحافظ"، يؤمن بأن أوروبا الغربية تعاني من شيء شبيه بالحصار، أو من حصار متوقع، من جانب ذلك العدد الكبير من المسلمين الذين هاجروا إليها، واستقروا فيها. وفي الحقيقة إنه يتوجب عليّ القول إن "المحافظين"الأميركيين لا يؤمنون بذلك فقط، وإنما يخشون أفول الغرب برمته. بيد أن "المحافظين" الأميركيين، عندما يؤمنون بذلك، يخفقون في إدراك أن أبناء دول من شمال أفريقيا، ووسط آسيا لا يغامرون بالقيام برحلات، يتعرضون خلالها للغرق والموت، من أجل الوصول لأوروبا كي يقوموا بقلب الحضارة الغربية. فأبناء المهاجرين المسلمين الذين يعيشون في "جيتوهات" باريس لا يشاركون في الاضطرابات، ولا يحرقون الشقق من أجل قلب الديمقراطية، والقضاء على الحضارة الأوروبية، وإنما للتعبير عن غضبهم من عدم قدرتهم على الحصول على وظائف يعتاشون منها. والحقيقة أن المشكلة الضخمة المتعلقة باستيعاب أو إدماج المهاجرين المسلمين هي مشكلة جدية للغاية، وعلى وجه الخصوص في بريطانيا وهولندا ودول اسكندنافيا، التي تسود بين سكانها فكرة مؤداها أن هؤلاء المسلمين يجب أن يعيشوا منعزلين عن غيرهم، في مجتمعات منفصلة يمارسون فيها عاداتهم وتقاليدهم، في نفس الوقت الذي يستفيدون فيه برعاية دولة الرفاهة التي هاجروا إليها. هذا النمط في التعامل مع المهاجرين لم يحقق نجاحاً كبيراً وينبغي العمل على تغييره. أما حكومة الولايات المتحدة، وهي حكومة ليبرالية، فلديها فكرة مختلفة عن المسلمين الذين تنظر إليهم باعتبارهم يشكلون تهديداً عسكرياً لها، وتواصل من هذا المنطلق شن الحرب التي بدأها بوش ضد "طالبان" ورفاقها من المتطرفين في أفغانستان وباكستان على أمل أنها تحول بتلك الحرب بين هؤلاء المسلمين وبين مهاجمة الأميركيين في "بيوريا" أو"سانتا باربرا". ويمكننا أن نحاجج بأن الحركة "الإسلامية" المتطرفة تتمتع بزخم يقف وراءها في معظم أنحاء الشرق الأوسط، وجزء من جنوب آسيا، ونتوصل بالتالي لاستنتاج مؤداه إنه ما لم يتم "إيقاف" هذه الحركة في أفغانستان وباكستان، فإنها ستتمدد إلى أماكن أخرى في المنطقة، وتحصل على أسلحة نووية، وتدمر أميركا. لكن كافة الدلائل المتوافرة تشير إلى أن العكس تماماً هو الصحيح: فكلما تعرضت القوى الإسلامية المتطرفة إلى المزيد من الهجمات عبر تدخلات من قبل الحكومات الغربية "المسيحية"، كلما كان وجودها مبرراً، وأصبحت قابلة لمزيد من الانتشار والتمدد، ولتبني دور "المقاومة الوطنية" للغزاة الأجانب من "الصليبيين". مع ذلك فإن الدافع وراء تصميم الولايات المتحدة ودول "الناتو" على القتال في أفغانستان وباكستان أكثر تعقيداً بكثير من مجرد المحافظة على الأمن القومي. فالهجمات التي شنتها مجموعة تتكون في معظمها من مواطنين سعوديين متطرفين ومتعلمين في الغرب، قاموا خلالها بتفجير برجي مركز التجارة في نيويورك، وهاجموا مقر البنتاجون في واشنطن، قد مضى عليها الآن ما لا يقل عن ثمانية أعوام، لم تحدث خلالها عملية إرهابية واحدة. فالهجمات التي وقعت على شبكة خطوط مترو الأنفاق في لندن، وعلى محطات قطارات مدريد لم تكن لها صلة بـ"طالبان" أو دوائر الإرهاب في الشرق الأوسط، وإنما كانت مرتبطة بجاليات المهاجرين المسلمين في أوروبا، التي تضم شبانا مسلمين عصريين، يقيمون في دول القارة، وهو ما ينطبق أيضا على كافة الأنشطة الإرهابية المحتملة، التي تم كشف النقاب عنها من قبل الاستخبارات وأجهزة الأمن الأوروبية. فـ" إيقاف" طالبان في "هندوكوش"(سلسلة جبال في أفغانستان وشمال غرب باكستان) لن يغير من ذلك. وكل هذا في الحقيقة أثر متبقٍ من الحقبة الإمبريالية كان له دور في تهييج المشاعر القومية في آسيا، وإثارة النزعات الدينية المتطرفة. لقد تحولت الولايات المتحدة إلى دولة مدمنة على الحرب منذ الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي. فمنذ ذلك الحين، والولايات المتحدة تخوض معارك وحروباً سواء ضد الشيوعيين في جنوب شرق آسيا، أو ضد المعتدين البلقانيين، واليساريين في أميركا اللاتينية، وزارعي المخدرات الكولومبيين، وضد صدام حسين (مرتين)، وضد المسلمين الراديكاليين في كل مكان، ولا ننسى هنا بنما وجرينادا أيضا. لقد أصبحت الحرب بالنسبة لأميركا جزءا من الهوية الوطنية، وجزءا من الاقتصاد الوطني الذي ينتج من الأسلحة ومنتجات التقنية العسكرية الفائقة، أكثر مما تنتجه اقتصادات العالم مجتمعة. مؤخرا بدأت أحدث حروبنا الأميركية، حيث نرعى في الوقت الراهن حملة الجيش الباكستاني من أجل طرد مقاتلي طالبان من المناطق التي كانوا قد احتلوها في شمال غرب البلاد. وهناك محاولات مستمرة في واشنطن حاليا من أجل إرسال (حكومة ظل) إلى باكستان مهمتها إرشاد حكومة ذلك البلد إلى الطريقة المثلى التي يجب أن تدير بها بلادها وتواجه من خلالها الإسلاميين الراديكاليين وهو ما يدل على أن الولايات المتحدة تنوي أن تبقى هناك طويلا. عندما انهار الاتحاد السوفييتي فإن "جورجي أرباتوف" وهو واحد من الروس الذين يعرفون الكثير عن الولايات المتحدة، الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس معهد الاتحاد السوفييتي للدراسات الأميركية والكندية قال للأميركيين:"إننا على وشك القيام بعمل فظيع تجاهكم، وهو حرمانكم من العدو". عندما قال"أرباتوف" ذلك، فإنه لم يكن يدرك مدى السهولة التي وجدنا بها ذلك البديل. ويليام فاف كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفس"