تنطوي الشائعات، أيّاً كان نوعها أو مصدرها، على خطر كبير على المجتمعات كلّها دون استثناء، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، لأنها تقوم على الاختلاق والكذب والتضخيم بشكل يثير البلبلة وأحياناً الخوف والرعب لدى الناس، بما ينطوي عليه ذلك من آثار سلبيّة على مستويات مختلفة. ومن الشائعات الخطرة التي راجت على الساحة الإماراتية خلال الفترة الأخيرة الادّعاء بانتشار بعض الأمراض، وأن هناك نقصاً في كميات الدم في بعض المستشفيات في الدولة، وأن مريضاً في أحد المستشفيات في حاجة إلى دم من فصيلة بعينها، وأن هناك بعض الأدوية التي تمّ منعها في بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة، لأنها تسبّب السرطان، إلا أنها ما زالت مستخدمة في الساحة المحليّة. وقد أحسنت وزارة الصحة صنعاً عندما تحرّكت بسرعة وتعاملت مع هذه الشائعة منذ البداية ولم تتركها لكي تتفاقم، وهذا ما وضح من تصدّي الوزارة لما جاء في الشائعة وتفنيدها إياها بالأرقام، عبر الإشارة إلى أن هناك مخزوناً كافياً من الدماء، وأنه لا يوجد انتشار لأيّ أمراض في الإمارات. الاشتباك الباكر مع الشائعة، الذي لا يكتفي بنفيها فقط ولكن تفنيدها أيضاً، يضمن عدم تفاقمها أو تطوّرها، لأنه يضع المعلومات الصحيحة أمام الناس، وبالتالي لا يترك الساحة خالية لأصحاب الشائعات لكي ينفثوا فيها سمومهم دون أي مواجهة. وعندما يكون الردّ على الشائعة بالأرقام والبيانات، مثلما فعلت وزارة الصحة، وليس عبر كلام مرسل، فإنه يهدم أساسها ويكشفها أمام الجمهور، وبالتالي يقضي عليها سريعاً، وفي ذلك درس مهمّ لكل الجهات والأجهزة في الدولة من شقّين، الأول هو ضرورة التحرّك السريع في مواجهة الشائعة، الثاني هو الاعتماد في المواجهة على البيانات والمعلومات الدقيقة. انتشار أجهزة الاتصال الحديثة، خاصة "الموبايل" و"الإنترنت"، وغيرهما، تساعد بشكل كبير على انتشار أي شائعة مهما كانت صغيرة، خاصة أن مروّجي الشائعات يستخدمون هذه التقنيات بقوّة في ترويج شائعاتهم في أكبر نطاق ممكن في المجتمع، وهذا بلا شك يرتّب أعباء كبيرة على الأجهزة المعنيّة تحتاج فيها إلى التعاون من قبل الناس المستهدفين بالشائعة، سواء من خلال الإبلاغ عنها أو محاولة تعرّفها على الموقف أو المعلومة الصحيحة من المكان الصحيح ومن المعنِيّ بها، بدلا من الاستسلام للشائعات وتصديقها من دون وعيّ أو تفكير أو تمحيص، وقد دعت وزارة الصحة، مؤخراً، الجمهور بالفعل إلى التوجّه بالسؤال إلى الجهات الصحيّة المعنيّة عند تلقّيهم أي رسالة تحمل معلومات صحيّة غير صحيحة. لا يجب التهاون في التعامل مع أي شائعة مهما كانت صغيرة، أو الاستهانة بأي معلومة غير صحيحة أو غير دقيقة يتم بثّها في المجتمع وبين الناس، لأن أي تهاون في هذا الشأن يحقّق نتيجتين على درجة كبيرة من الخطورة: النتيجة الأولى هي إعطاء صدقية للشائعة نفسها في غياب أي ردّ عليها من قبل الجهات المعنيّة، النتيجة الثانية هي إثارة قدر كبير من البلبلة في المجتمع، وربما يمتدّ الأمر إلى تهديد السلم الاجتماعي بشكل مباشر. الإمارات دولة منفتحة، يعيش على أرضها عشرات الأجناس والجنسيات، ولذلك فإنها معرّضة للشائعات بمختلف أنواعها، ومن هنا تأتي أهمية الحسم في التصدّي لها وفق منهج علميّ فاعل. ـــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.