أخيراً هدأت عاصفة الكويت الديمقراطية، وتغيّر اللاعبون على الساحة، وتحققت آمال الكويتيات والليبراليين بدخول أربع نساء إلى الملعب بدلا من واحدة كما كان الأمل في الانتخابات السابقة. ولقد أشاع هذا الانتصار النسائي البهجة في قلوب مُناصري (الجنس الناعم)، تماماً كما أشاع الامتعاضَ في نفوس المناوئين للمرأة. وتعتبر انتخابات عام 2009 امتحاناً واضحاً للتحوّل الديمقراطي في الكويت. هذا التحوّل الذي أصيبَ بعدةِ كبوات وتجاذبات أسفرت – آخر مرة – عن حل البرلمان بتدخّل من أمير الكويت إثر طلب بعض النواب استجوابَ رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد . والفائزات الخارجات من تلك العاصفة بالأعلام الملونة والابتسامات العريضة هن: د. معصومة المبارك الوزيرة السابقة والأستاذة الجامعية، ود، سلوى الجسّار الأستاذة الجامعية والتي لم توفق في انتخابات 2008، ود. أسيل العوضي الأستاذة الجامعية، والتي لم توفق أيضاً في انتخابات 2008، ود. رولا دشتي الخبيرة الاقتصادية والناشطة في حقوق المرأة، والتي لم تفز في انتخابات 2006 و2008 . ومع أهمية هذا الفوز الكبير للسيدات في الانتخابات، فإن هنالك نتائجَ لا تقل أهمية تمخضت عن عاصفة الكويت الديمقراطية، ومنها: تراجع الإسلاميين السُنّة وتقدم الشيعة. حيث تراجع "التجمع السلفي" من 4 مقاعد كان يحتلها في المجلس السابق إلى مقعدين. كما تراجع موقفُ الحركة الدستورية الإسلامية (إخوان مسلمين) إلى مقعد واحد، مقابل ثلاثة مقاعد في المجلس السابق. وعزّز "الليبراليون" مواقعَهم في البرلمان الجديد بعد أن حصلوا على ثمانية مقاعد. أما الشيعة الذين تمثل نسبتُهم الثلث من سكان الكويت، فقد فازوا بتسعة مقاعد مقابل خمسة في البرلمان السابق. ولكن هذه المؤشرات لا تعني تراجع الإسلاميين، ذلك أن مرشّحي القبائل التي تمثل نصف سكان الكويت قد فازوا بـ 23 مقعداً، وكثير من هؤلاء ليسوا بعيدين عن التيار الإسلامي. الشارع الكويتي أعرب عن ابتهاجه بتلك النتائج، التي جاءت عكسَ ما توقعه الكثير من السياسيين والمحللين الذين ردّدوا قبل شهرين أن المجلس الجديد سيكون نسخة من المجلس السابق؛ ولن تحصل أية تغيرات. لكن صناديق الاقتراع قالت كلاماً آخر وبالتالي تغيّرت المعادلات. ولعل أهم ما عبّرَ عنه الشارع الكويتي أن يهتم النواب الجُدد بالقضايا التي تخصّ الإنسان الكويتي بصفة عامة، دون الانشغال بالهموم الفئوية أو المصالح الخاصة. وأن يبتعد النواب عن تكرار "ثقافة التأزيم "، التي مارسها بعض النواب في المجلس السابق. السؤال هنا: هل وجود أربع نساء متعلمات وأكاديميات في المجلس الجديد سوف "يهذّب" لغة الحوار بين المجلس والحكومة؟! وهل سيبدأ المجلس ونوابه لغة جديدة لا تثير الحكومة ولا تحرج رموزَها؟ يجيب على ذلك بعضُ نساء الكويت بأن دخول المرأة إلى البرلمان الجديد؛ بل ودخول 4 نساء دفعه واحدة، دليل على تغيّر ملحوظ في اتجاهات المجتمع الكويتي. كما عبّرت نساء أخريات عن عدم وضوح الرؤية الديمقراطية لتكرار حلّ المجلس، وهو ما أدخلَ المواطن الكويتي في دائرة الحيرة والملل من العملية الانتخابية. في الوقت الذي عبّر الرجال – من سياسيين وبرلمانيين – أن التركيبة الجديدة (تقدم التيار الليبرالي وتراجع التيار الديني) هو سبب أو نتيجة للممارسات التي تمت في السابق للنَيل من المرأة في الانتخابات السابقة. كما أن نسبة الوجوه الجديدة في المجلس الحالي تراوحت بين 30-35 في المئة، وهي تركيبة يمكن لها أن تؤثر على عمل المجلس وفعاليته. وأرجع الدكتور عبدالله الغانم – أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت – تراجع (الإخوان المسلمين) إلى أنهم دخلوا الانتخابات ليس بعباءة فكرهم "الإخواني"، بل باستقلاليتهم عن هذا الفكر الذي يؤمنون به. ولأنهم تخّلوا عن الجانب الحركي التنظيمي لهم تبيّنَ للعامة أن (الإخوان) يشعرون بالذنب، بخلاف (السلف) الذين نجحوا في هذه الانتخابات بخسارة قليلة عن (الإخوان) لأن (السلف) نزلوا تحت مسمياتهم السلفية. ورأى وزراء سابقون أن على المجلس الجديد أن يهتم بالبناء والتنمية، لأن التأزيمات السياسية السابقة أضّرت ليس بالعملية الديمقراطية، بل بالكويت كدولة. وأن الشعب الكويتي سئمَ وملَّ من كثرة الانتخابات البرلمانية. بل والاستجوابات التي لم تكن كلها تصبّ في المصلحة العامة، قدرَ ما كانت تختلق التأزيم بين المجلس والحكومة. وكان موضوع الحريات وزيادة جرعة الديمقراطية من المواضيع التي تداولتها (ديوانيات) عديدة في الكويت. يقول الأمين العام لمظلة العمل الكويتي أنور الرشيد "إن خسارة التيارات الدينية كانت نتيجة لاهتزاز ثقة الشارع الكويتي في هذه التيارات، التي حاولت النيل كثيراً من المرأة الكويتية من خلال الكثير من الفتاوى المسيسة ضد المرأة ". وأشار الرشيد إلى ضرورة فتح المجال أمام مؤسسات المجتمع المدني لتساهم بدورها في تنمية البلد. أما الفائزون في المجلس الجديد، فقد تفاوتت آراؤهم حول المستقبل الديمقراطي في الكويت. يقول أحمد عبدالعزيز السعدون – رئيس مجلس الأمة في أعوام (1985-1992-1996) : نرفض قانون الاستقرار المالي بصيغته الحالية لتعارضه مع المادة (50) من الدستور، وإذا جاءت حكومة وقدمت خطة تنموية ناجحة، كما حصل عام 1986؛ فنحن لن نتردد في دعمها بشكل مطلق. ويقول النائب خلف دميثير العنزي: إن التأزيم والمشكلات التي يفتعلها البعض ليست في مصلحة الكويت، مشيراً إلى أن المجلس السابق لم يعمل شيئاً، وأنجز قانونين من أصل 300 مشروع محفوظة في أروقته. النائب محمد البراك المطيري دعا إلى وجود حكومة قوية لديها الأدوات لمحاسبة وزرائها قبل أن يُحاسبوا. النائب وليد الطبطبائي شدد على أهمية أن تكون الحكومة الجديدة بعيدة عن المماحصة وأن يكون هنالك وزراء دولة. وقال: لا نتدخل في اختيار رئيس الوزراء ولا نضع "فيتو" على بعض الأسماء، بل نطالب بالتغيّر شكلا ومنهجاً. وأكد احترامه للأسرة الحاكمة ورئيس الوزراء، مشيراً إلى أنه لو صعد الشيخ ناصر المحمد المنصة لما كان هناك حاجة لحل مجلس الأمة. النائب ناجي عبدالله العبدالهادي دعا إلى العمل وحُسن النوايا، والسعي للاتفاق على جملة من الأولويات بين الحكومة والمجلس. مبارك الخرينج ظهر بشعار لله الطاعة وللكويت الولاء ولأهلها الوفاء "، ودعا إلى أن تكون الحكومة قوية وتواجه الاستجوابات. كما طالب بأن تكون هنالك رقابة ذاتية من رجال الصحافة، مؤكداً بأنه يرحب بالنقد الهادف ويرفض الصراخ. هذه عينة بسيطة من الآراء التي نشرتها الصحف الكويتية الأسبوع الماضي بعد ظهور نتائج الانتخابات. وقد تكون قضية تكليف أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد لرئيس الحكومة السابقة الشيخ ناصر المحمد، وهو ابن أخ الأمير – والذي استقال خمس مرات منذ تعيينه في فبراير 2006 بسبب اشتداد الخلافات بينه وبين النواب – من أهم القضايا التي سوف تواجه المجلس الجديد ، ذلك أن الحكومة الأخيرة برئاسته قد استقالت بعد أن تقدم خمسة من النواب الإسلاميين لاستجوابه على خلفية اتهامات بسوء الإدارة. فما كان من الأمير إلا أن قام بحلّ البرلمان الذي لم تمض عليه سوى عشرة شهور. نحن نعتقد أن كل الكويتيين، شعباً ونوابا وحكومة، يحبون بلدهم، مهما كانت انتماءاتهم أو أيديولوجياتهم. وأن نواب الشعب ليسوا في "ماراثون " مع الحكومة، فالهدف الأسمى هو الإنسان الكويتي وراحته ومستقبل أبنائه. ونرى أن المجلس الجديد فيه الكثير من التوازنات، ما يمكن أن يجعله نواة لمسيرة ديمقراطية رائدة، خصوصاً إذا ما ترك النوابُ هموم عائلاتهم وقبائلهم وأيديولوجياتهم، واتجهوا نحو حوار العقل الذي يؤدي في النهاية إلى عودة الكويت لدورها الريادي في جميع المجالات، وتخلصها من كل هنّات الماضي أو تراكمات التاريخ . وأخيراً، هل سيخرج من هذا المجلس "نواب تأزيم " من جديد؛ كي "يفركشوا المباراة "، أم أن وجود (الوجوه الناعمة) سيوطد العلاقة بين المجلس والحكومة؟! أم أن هذا الوجود (الناعم) سوف يزيد "الخشونة " في الملعب وبالتالي يعود المجلس إلى "ضربات الجزاء " أو الكارت الأحمر؟! انتظروا تداعيات ما بعد عاصفة الكويت الديمقراطية. hamsalkhafi57@hotmail.com