النظام المصرفيّ في الدولة هو من النظم المصرفيّة القليلة في العالم، التي لم تتأثر بشكل كبير جراء "الأزمة المالية العالمية"، حيث انحصرت خسائره في حدود تراجع أحجام الأعمال، وإن اختلف هذا التراجع من مصرف إلى آخر، فلم يشهد النظام المصرفي الإماراتي أيّ انهيارات مصرفية. وكان أداء القطاع المصرفي في دولة الإمارات قد شهد طفرة كبيرة في السنوات القليلة الماضية، خصوصاً منذ مطلع العقد الجاري، متماشياً مع حجم الازدهار الذي حققته الدولة في مختلف القطاعات الاقتصادية. وقد نمت أصول القطاع المصرفي في دولة الإمارات خلال الفترة من عام 2002 إلى عام 2007 بمعدّل نمو سنوي يبلغ 23.4% في المتوسط، كما زاد حجم الودائع البنكيّة بمعدل نمو سنوي يقدّر بنحو 25%. وصاحب نمو الأصول والودائع في النظام المصرفيّ في دولة الإمارات زيادة كبيرة في حجم القروض الممنوحة، الذي زاد بمعدل سنويّ يبلغ نحو 24.9%، خلال الفترة من عام 2002 حتى بداية "الأزمة المالية العالمية"، وكان ذلك نتيجة للسياسة الائتمانيّة المرنة للمصارف بوجه عام. إلا أنّ اندلاع الأزمة قد لفت انتباه المصارف العاملة في الدّولة إلى ضرورة إعادة النظر في شروط منح الائتمان لتبدي المزيد من التحفظ، وقد عمدت المصارف إلى مراجعة شروط منح الائتمان المعتمدة لديها، فغيّرت من ترتيب القطاعات المستفيدة من الائتمان، فبعد أن كان القطاع العقاريّ هو أكبر المستفيدين من الائتمان المصرفي قبل اندلاع الأزمة، نظراً إلى ازدهاره السريع في ذلك الحين، فقد انخفض حجم الائتمان الممنوح له بعد الأزمة، وزاد إقبال المصارف بشكل كبير على منح القروض الاستهلاكيّة، نظراً إلى قصر مداها الزمني مقارنة بالقروض العقاريّة، بجانب ارتفاع مؤشرات القدرة على استردادها مقارنة بالائتمان العقاري فى المرحلة الحاليّة. كما عمدت المصارف إلى ما يشبه انتقاء العملاء، لتختار العملاء الأكثر قدرة على الوفاء بأعباء قروضهم لتقلّل احتمالات الخسارة. وكذلك فقد عملت على رفع أسعار الفائدة على القروض، لتزيد من عوائد القروض كآليّة لزيادة الإيرادات، وقام كلّ مصرف من المصارف بتحديد سعر الفائدة الأكثر تناسباً مع سياسته ونظمه الماليّة والائتمانيّة. وبوجه عام، فإن تبنّي المصارف سياسة ائتمانية متحفّظة في ظل "الأزمة المالية العالمية"، لا يعدّ أمراً سلبياً، بل هو أمر منطقي، بل مطلوب في مثل هذه الظروف، كما أن هناك بعض الآثار الإيجابيّة التي يمكن أن تنتج عن توسّع المصارف في منح الائتمان الاستهلاكي، خاصة أن هذا التوسع سيزيد من قدرة الأفراد على الشراء بما يزيد من حجم الطلب الكليّ في الدولة، وهو المحرّك الرئيسي للنمو في أيّ اقتصاد في المرحلة الحالية، بعد أن تراجع الطلب الخارجي على الصادرات في "الأزمة المالية العالمية". إلا أن الأمر الذي يجب ذكره في هذا الموضع هو أنه، وإن كان تحفّظ المصارف مطلوباً لتخطّي الأزمة ومنع تفاقمها، فإن هذا التحفظ يجب أن يكون مبنياً على مؤشرات حقيقية، ويمكن للمصارف أن تتعاون فيما بينها، وكذلك مع السلطات النقدية في وضع هذه المؤشرات، وأن تكون هناك مراجعة دوريّة للسياسة الائتمانية، بحيث لا يستمرّ تحفظ المصارف بعد زوال أسباب هذا التحفّظ. كما أن هناك اعتباراً آخر يتعلّق بترك تحديد سعر الفائدة لكل مصرف وفقاً لسياسته الداخلية، فمن المهمّ على الأقل أن يتم وضع معايير وحدود عليا ودنيا لأسعار الفائدة، حيث إنّ ترك تحديد سعر الفائدة لكلّ مصرف وفقاً لسياسته الداخلية، هو عملية تكتنفها بعض المخاطر، حيث قد تبالغ بعض المصارف في فرض أسعار فائدة، ما يؤدّي إلى ارتفاع تكاليف رأس المال بشكل لا يتناسب مع الظروف الاقتصاديّة المحيطة، كما قد يتسبّب ذلك بإحجام المقترضين عن التعامل مع المصارف، ما يقلّل من أهمية القروض الاستهلاكية في التوسّع في حجم الطلب المحلي كآلية لدعم النمو الاقتصادي. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.