لم تكن الانتخابات البرلمانية الكويتية التي جرت السبت الماضي كأي من سابقاتها، فقد سجلت تاريخاً جديداً في مسيرة الديمقراطية الكويتية التي تمتد نصف قرن تقريباً، ولعلها سابقة نادرة للانتخابات العربية عموماً، وذلك بدخول المرأة الكويتية كنائبة تمثل الشعب بأسره، كما لم يكن دخول من وصلن بصعوبة بالغة، بل جاء مؤكداً وحاسماً بوصول أربع نساء مرة واحدة، ولم يكن وصولهن بالكاد أو "على الحفة" -كما في لغة تلاميذ المدارس، بل تبوأت إحداهن المركز الأول وجاءت أخرى بالمركز الثاني. ولم يقتصر فوزهن على منطقة معينة، بل جاء من مناطق في الدائرة الأولى، حيث التطاحن الطائفي، وفي الدائرة الثانية، حيث المواجهة الشرسة بين التيارين المدني والديني وقد وصلت امرأتان، ووصلت رابعة في الدائرة الثالثة التي هي خليط من فئات مختلفة من الشعب. ولعل الرابح الأكبر -رغم أنها لم تصل لقبة البرلمان- هي المرشحة ذكرى الرشيـدي التي حصلت على أصوات أكثر مما حصلت عليه بعض زميلاتها اللاتي نجحن في الانتخابات، وذلك على الرغم من أن دائرتها محتكرة في معظمها على قبائل معينة. النساء اللاتي وصلن للبرلمان في الكويت، وصلن بجهدهن وبإرادة شعبية، ولم يكن وصولهن مثلما في معظم حالات الانتخابات اللبنانية مثلاً -أمراً وراثياً، وقد حققن هذه النتيجة على الرغم من قصر تجربة المرأة في الحياة النيابية، حيث كان أول تصويت وترشيح لهن عام 2006 -أي منذ ثلاث سنوات فقط. فرح التيار المدني في الكويت كثيراً وشعر بأنه حقق انتصاراً باهراً ضد التيار الديني، وبأن وصول المرأة هو ثمرة جهوده ونضالاته التي امتدت عقوداً، وقد تعطل حق المرأة السياسي طويلًا بسبب معاداة التيار الديني أولاً لهذا الحق، وبسبب أعداء الديمقراطية وأنصار القيادة الذكورية المنفردة في كل شيء. ولقد أصبح الحديث عن مسألة تحليل أو تحريم تصويت المرأة أو ترشيحها في الكويت أمراً غير منطقي يتناقض مع واقع جديد مفاده أن "المرأة أصبحت نائبة ووزيرة"، ومن العبث العودة إلى الوراء أو طرح هذا الموضوع في المستقبل. فلم يعد هناك مجال للبحث عن فتوى تصويت المرأة أو ترشيحها بالكويت؛ لأن من يحرمون حقها السياسي يزاملونها اليوم في البرلمان. يذكر أن نواباً خرجوا من قاعة البرلمان العام الماضي احتجاجاً على توزير امرأتين وأدائهما القَسَم الدستوري. والمتابعون يرقبون ما سيقوم به النواب أنفسهم عندما تقف زميلاتهم النائبات لأداء القسم في أول جلسة للبرلمان المنتخب يوم 31 مايو الجاري، فإن خرجوا احتجاجاً، فسيكون احتجاجهم على إرادة الشعب التي أوصلتهن هذه المرة، وليس احتجاجاً على الحكومة التي وزّرت نساء في الحكومة الماضية. راحت السكرة وجاءت الفكرة، ونجحت النساء في الوصول إلى البرلمان، ولكن ماذا بعد؟ أعتقد أن النساء الأربع اللاتي وصلن قد دخلن التاريخ السياسي الكويتي، ولكن هذا الدخول له ثمنه واستحقاقه السياسي، فلا تزال قوى الظلام والقوى المعادية للمرأة تتربص بهن، وتحيك لهن المؤامرات، وسيرقبون أدائهن مراقبة دقيقة، ويسجلون الهفوات والأخطاء ويعملون على تضخيمها. مهمة النساء الأربع اللاتي نجحن في البرلمان، هي أصعب مهمة لأي امرأة قد تصل إلى البرلمان مستقبلًا، والمسؤولية الملقاة على عاتقهن تتجاوز المسؤولية الدستورية والسياسية، وهي مسؤولية قد تحدد موقع المرأة في أية انتخابات قادمة، فأداء النائبات الأربع سيكون معياراً يقاس به تأييد المرأة مستقبلاً. كلمة "نائبة" قد تأتي من النيابة، وقد تكون مفرد نوائب -أي مصائب، والنساء اللاتي انتخبن مأمول أن يكن نائبات يمثلن الشعب بجدارة، لا أن يكن من النوائب -فذاك ما يتمناه أعداؤهن. د. سعد بن طفلة العجمي