بعد معركة انتخابية حامية الوطيس، يبدو الشارع الكويتي متفائلاً بالمستقبل، فقد أسفرت النتائج عن تغييرات كبيرة في تركيبة مجلس الأمة (البرلمان)، وفازت أربع نساء ليدخلن المجلس لأول مرة في تاريخ الكويت، وهو أمر ينم عن تغيير ملحوظ في نظرة الشارع الكويتي إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في السياسة والمجتمع. خاض الانتخابات 210 مرشحين بينهم 16 امرأة، تنافسوا على 384790 ناخبة وناخباً لهم حق التصويت، شارك فيها بالإدلاء بأصواتهم ما نسبته 85 بالمئة بإجمالي 225382 ناخبة وناخباً. من الملاحظات المهمة التي أسفرت عنها نتائج انتخابات 2009 هي أن التيارات الإسلامية بكافة أطيافها، والمنظمة تنظيماً حزبياً غير مؤطر قانونياً، وتحمل مسميات كـ"التجمع السلفي" و"الحركة الدستورية الإسلامية"، (وهي الواجهة الحركية للإخوان المسلمين)، منيت بخسائر كبيرة، حيث فقد السلفيون أربعة مقاعد من مجموع مقاعدهم الستة، التي كانوا يشغلونها في المجلس السابق، وتضاءل نصيب "الإخوان المسلمين" إلى مقعد واحد. هذا التراجع يمكن تفسيره كمؤشر على تراجع شعبية الفكر الذي يحمله هؤلاء في أوساط المجتمع الكويتي، والذي استمرت قوته منذ بداية ستينيات القرن الماضي. ولا يعني تراجع حظوظ "الإخوان المسلمين" في الحياة البرلمانية الكويتية بأن قوة التيار الديني السُني قد زالت، بل هي مستمرة من خلال وجود الإسلاميين المستقلين في المجلس، حيث حافظ ثمانية نواب يصنفون ضمن هذا التيار على مقاعدهم وعادوا إلى قاعة المجلس. ويتوقع لهؤلاء الإسلاميين المستقلين الثمانية أن يلعبوا دوراً في مسيرة المجلس الجديد ربما يكون مشابهاً لما كان يحدث خلال المجالس الثلاثة السابقة التي حلت، خاصة إذا ما تمكنوا من التحالف مع بعض من النواب القبليين المشابهين لهم في الفكر السياسي والتوجه الاجتماعي، بالإضافة إلى عضو "الإخوان المسلمين" الوحيد. ويقابل ذلك أن المرأة الكويتية استطاعت أن تحجز أربعة مقاعد دفعة واحدة ولأول مرة، يضاف إلى ذلك تعزيز الليبراليين لمواقعهم ووصول ستة منهم إلى المجلس، مما قد يشكل تكتلاً جديداً تحت قبة البرلمان يساهم إلى حد كبير في خلق توازن سياسي يحفظ للحياة النيابية الكويتية مسيرتها ويساعد على استقرارها على مدى السنوات الأربع القادمة، لو قدر للمجلس الجديد أن يستثمرها كاملة ولم تخرج أمامه مفاجآت ومطبات تقود إلى حله. وقد يفسر وصول هذا العدد البارز من النساء والليبراليين في إطار نجاح الجهود التي بذلت خلال الفترة الماضية، لكي يتم خلق توازن عن طريق تقليص عدد من ينتمون إلى ما يعرف بـ"المعارضة"، الذين كانوا يشكلون نسبة كبيرة من عدد أعضاء المجلس، نسبة هؤلاء تقلصت إلى 20 بالمئة فقط في المجلس الجديد. مجمل القول إن نتائج انتخابات المجلس الجديد جاءت مختلفة في أطرها السياسية التي شابتها التعبئة والاستقطاب، وهو ما يعد مفاجأة غير متوقعة خاصة بالنسبة للتيارات الإسلامية التي يبدو أن العديدين من ناخبيها قد تخلوا عنها نتيجة للممارسات السابقة التي أعاقت الحياة السياسية في الكويت، وعطلت العديد من مشاريع القوانين والإصلاحات الاقتصادية ومشاريع البنية التحتية والمشاريع التنموية الأخرى، مما أثر كثيراً على حياة المواطن الكويتي الذي بات يشعر بأن الدور الكويتي الرائد في العديد من المجالات على صعيد الخليج والمنطقة العربية، قد تأخر كثيراً نتيجة للممارسات، التي دارت في قاعة عبدالله سالم الصباح مؤسس المشاركة السياسية الحالية في الكويت ورمزها الروحي. نسبة التغيير في المجلس الجديد وصلت إلى 30 بالمئة في ثلاث دوائر انتخابية من خمس، هي مجمل الدوائر الانتخابية في الكويت وفقاً للنظام المعمول به حالياً، وجاء هذا التغيير بعد أن تم حل مجلس الأمة مرتين، واستقالة الحكومة خمس مرات خلال ثلاثة أعوام فقط. والنتائج الأخيرة تظهر تركيبة وملامح سياسية جديدة لمجلس جديد ينظر إليه الكويتيون بتفاؤل، ويأملون مجتمعاً ودولة، منه الكثير بعد إخفاقات متواصلة خلال السنوات الماضية. ما حدث حتى الآن هو أن كتلاً سياسية معينة احتفظت بمقاعدها السابقة، خاصة القبليين، وحققت المرأة نجاحاً مشهوداً بدخول نائبات أربع، بالإضافة إلى حصول التيار الشيعي على 7 مقاعد لأول مرة مقارنة بما كانوا يحصلون عليه في المجالس السابقة منذ قيام المجلس عام 1963، وحصل الليبراليون على 6 مقاعد. لذلك فإن الشارع الكويتي والحكومة الكويتية ينظرون إلى تعاون المجلس الجديد لإحداث تغييرات مشهودة في الحياة السياسية الكويتية، تؤدي إلى إصلاح المسيرة وتحقيق ما يطمح إليه المواطن الكويتي من آمال تنعكس إيجاباً على حياته المعيشية وتفتح له آفاقاً جديدة نحو المستقبل يعيد بها النجاحات التي حققتها الكويت قبل عقد تسعينيات القرن الماضي، ويجاري بها ما يحققه إخوانه من تقدم في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.