أثبتت" اختبارات الجهد" التي أُجريت للبنوك، أنها وسيلة فعالة لتخفيض التوتر الذي يحيط دائماً بعمل تلك البنوك. فشأنها في ذلك شأن المريض الذي تنتابه حالة من النشوة العارمة، عند ما تثبت نتيجة فحص العينة المأخوذة من جسمه أنه ليس مصاباً بمرض خطير، سجلت أسهم وسندات البنوك (بعد إجراء تلك الاختبارات) ارتفاعاً كبيراً في سعرها، مما قاد إلى تعافٍ واسع النطاق في السوق، وأثار تكهنات بأن نهاية حالة الركود الحالي قد غدت قريبة. هذا هو الانطباع الأول السائد حالياً عن "اختبارات الجهد"، غير أن أهميتها الحقيقية تتجاوز ذلك بكثير. فهي تجيب عن السؤال المحير: عندما يخرج النظام المالي من هذه الأزمة، كيف يمكن منعه من الانهيار مجدداً؟ وإذا لم نجد إجابة لهذا السؤال، فيجب أن نتوقع أوقاتاً صعبة. فبعد الهجوم الشرس الذي تعرضوا له بسبب دورهم في وقوع الأزمة، لا يُتوقع من المصرفيين أن يبادروا بالمخاطرة مرة ثانية، إلا بعد مرور بعض الوقت. لكن يجب علينا ألا ننسى أن ذاكرة المصرفيين قصيرة، وأن الأزمة ذاتها يمكن أن تقود إلى مزيد من المخاطر. فعمليات الإنقاذ المالي المتوالية التي عمدت إليها الحكومة الفيدرالية منذ أن تكشفت تفاصيل هذه الأزمة، أثبتت أن ديون المؤسسات المالية الكبرى يتم في النهاية سدادها من قبل الحكومات. وفي مقدورنا القول إن جميع مؤسسات "وول ستريت" قد تحولت تقريباً -من حيث الجوهر- إلى "فاني ماي" و"فريدي ماك"، وهما مؤسستان عملاقتان في مجال الرهن العقاري، وقد دفعهما الضمان الحكومي المستتر إلى طريق الانهيار والضياع. لهذا السبب، فإننا نحتاج إلى بعض الضوابط أو الكوابـح الصارمة للمخاطر، لكن قد نجد هنا من يسأل: أي نوع من الضوابط؟ فيما سبق من سنوات، كانت الحكومات تضع حداً أعلى للمخاطر التي يتحملها كل بنك من خلال التنظيم الهيكلي، بحيث إن البنوك التي كانت تتلقى إيداعات من المواطنين لم يكن يُسمح لها بضمان الأوراق المالية، أو إنشاء فروع لها في مختلف الولايات. وليس من شك في أن إحياء هذه المقاربة سيكون من قبيل الحظ الحسن؛ لأن تفكيك البنوك التي تحولت ليس فقط إلى بنوك وطنية، (أي ذات فروع في مختلف الولايات) وإنما أيضاً إلى بنوك إقليمية، يعد أمراً خارج نطاق قدرة الحكومة. ففي أي عصر من العصور، عندما تكون الشركات عالمية، فإن البنوك التي تخدمها يجب أن تكون عالمية هي الأخرى؛ لأن هذا هو الوضع الطبيعي. وعندما بدأ نظام الضوابط الهيكلية في التداعي اعتباراً من ثمانينيات القرن الماضي، خرجت الحكومة بتلك المقاربة التي كانت تتطلب من كل بنك أن يحتفظ لديه برأسمال. وقد بدت الفكرة ذكية في ذلك الحين؛ لأن رأس المال كان بمثابة ملاءة أمنية شاملة لجميع أشكال تحمل المخاطر، والتي كانت تتراوح بين العمل في مجال تبادل العملات الأجنبية والقروض التجارية البسيطة. لكن كم كان مقدار رأس المال المطلوب؟ إن الإجابات الخاطئة على هذا السؤال تشرح معظم الانفجارات المالية، سواء في الأزمة الحالية أو الأزمات التي سبقتها. المقاربة الأصلية التي تبناها المنظمون في الثمانينيات كانت تشترط على كل بنك أن يخصص نسبة معينة من رأس المال الذي يحتفظ به للقروض، وهي مقاربة ساذجة لقياس نسبة المخاطرة في عمل كل بنك. فالبنك الذي يقرض مليون دولار لشركة أجنبية ربما يتحمل نسبة خطر تفوق بكثير نسبة الخطر التي يتحملها بنك يقوم بإقراض مليوني دولار، لكنه يتحـوط لاحتمال تغير أسعار العملات، أو البنك الذي يقرض 3 ملايين دولار، لكنه يقسم هذا المبلغ على مقترضين متعددين، أو يستخدم بعض حيل المالية الحديثة لتأمين نفسه ضد احتمالات عدم سداد القروض. وهنا يواجهنا السؤال: طالما أن حجم القروض ووسائل قياس المخاطر من خلال الاعتماد على التجارب السابقة، لا تمثل المعايير الملائمة، فما هو البديل الأفضل؟ الإجابة عن هذا السؤال مفهومة، لكنها لم تطبق في "وول ستـريت" خلال عقد زمني كامل تقريباً، وهي الإجابة نفسها التي جاءت بها إدارة أوبـاما: اختبارات الجهد القائمة على رؤى مستقبلية. فالبنوك مطالبة بتخيل الكيفية التي يمكن لمحافظها المالية الاستجابة بها للصدمات المستقبلية التي يمكن التعبير عنها من خلال أسئلة من قبيل: ما الذي يمكن أن يحدث إذا ما انكمش الاقتصاد الأميركي خلال العامين المقبلين؟ ما الذي يحدث إذا ما دخل الدولار في حالة من الهبوط الحر؟ ما الذي يحدث إذا ما دخلت الولايات المتحدة في حرب مع كوريا الشمالية، أو إذا ما وقع زلزال في طوكيو؟.. وغير ذلك من أسئلة مشابهة. إن الفن الذي تنطوي عليه اختبارات الجهد يتمثل في تحديد أي السيناريوهات سيتم تطبيق هذه الاختبارات من أجله، وهو يدفعنا بالتالي للقول إن ذلك يستلزم أن يكون للحكومات دور يتمثل في إجبار البنوك على التخطيط للسيناريوهات المتشائمة، وذلك بالاعتماد على آلية اختبارات الجهد التي أثبتت التجربة أنها الأكثر نجاعة في هذا المضمار. سباستيان مالابي كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"