انتظر كثيرون زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو إلى واشنطن ولقاءه الرئيس الأميركي باراك أوباما. حصلت الزيارة، تم اللقاء، لكنه لم يحمل جديداً. أمران أساسيان كانا موضع التعليقات. الملف النووي الإيراني والتحذيرات الإسرائيلية المتكررة منه، والإشارة إلى احتمال قيام إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران. والأمر الثاني متعلق بالقضية الفلسطينية و"حل الدولتين"، الذي أشارت إليه الإدارة الأميركية الجديدة. في ما يخص الملف الإيراني ما يشبه التأكيد أنه لا يمكن لإسرائيل أن تضرب إيران من دون موافقة ومشاركة أميركية بطريقة أو بأخرى. لا ضربة لإيران من دون أميركا. وأميركا تعطي إيران فرصة حتى نهاية العام. يعني لا ضربة قبل نهاية العام إذا كان ثمة اتفاق على ضربة. ومن الآن إلى نهاية العام قد يكون تفاوض سريع بين الإدارة الأميركية وطهران وتوصل إلى اتفاق أو الدخول في طريق الوصول إلى اتفاق، وهذا يلغي الضربة. فماذا تفعل إسرائيل؟ إن أميركا بحاجة إلى إيران اليوم، أميركا مأزومة في أفغانستان، ومشكلة "طالبان" باتت تهدد باكستان. وكل ما يجري في أفغانستان وباكستان تتحمل مسؤوليته بشكل أساسي الولايات المتحدة. هي اكتفت في مرحلة معينة بالتخلص من "طالبان" في أفغانستان. الولايات المتحدة اختارت الحل العسكري من خلال الضربات المتتالية، التي تطال المدنيين، لا سعي إلى بناء دولة، حيث لا تنمية، ولا تطوير، ولا تقدم. لا فرص عمل لا تواصل مع الناس. لا سلطة مركزية تفكر بالناس. لا مساعدات لاستمالة الناس وبناء مؤسسات وتقديم الخدمات الضرورية. فبقي الجميع تحت رحمة "طالبان" المسلحة بالمال والسلاح. فشل الخيار العسكري الأميركي، وساءت الأحوال في الدولة الأفغانية أكثر، وقويت "طالبان" أكثر، وباتت أميركا في خطر. وأميركا نفسها اختارت سياسة الضغط على الحكم في باكســــتان لضرب "المتطرفين" ومواجهة "طالبان". لبّى النظام كل الطلبات، لكنه لم يحقق أي هدف سوى تقوية القوى الإسلامية وتعزيز موقع "طالبان". خرج مشرف من الحكم وجاء حكم جديد فيه كل شيء، إلا إنه يحتاج إلى التركيز بناء الدولة، وبناء المؤسسات. الفقر أينما كان، والجهل شبه عام، والفساد في كل مكان، ولا خيار إلا القوة، فلا تنمية ولا مؤسسات بل شبه انهيار في كل المجالات. إنها الأرض الخصبة أيضاً لـ"طالبان" فكيف إذا كانت قد أصبحت قوة مسيطرة في أفغانستان ترى القوة الأميركية لا تنتصر عليها، وامتداداتها واسعة في داخل باكستان. أقول ذلك لأشير إلى أن الأولوية في السياسة الأميركية هي لإنقاذ ذاتها وقواتها قبل أي شيء آخر. ولتحقيق ذلك لا بد من مساعدة إيرانية، وإيران تحولت إلى لاعب في أفغانستان ومؤثر في الوقت ذاته داخل باكستان. وباتت اجتماعات التنسيق والعمل على معالجة الأمور تعقد في عاصمة "محور الشر" طهران، وفق ما كان يطلق على إيران من تسمية! نعم "محور الشر" بات "محور الحل". وتغيير السلوك الذي كان مطلوباً من طهران انتهى. ولذلك ليس ثمة إمكانية للجم إيران بل الحاجة إلى مشاركتها لإيجاد حلول في المنطقة! وبالتالي الحد الأدنى الذي يمكن أن تقبل به هو الحوافز التي قدمت لها من الإدارة الأميركية، من مصالح في العراق وأفغانستان، ودور إقليمي في الخليج، وشراكة على المستوى الدولي! فكيف يمكن في مثل هذه الحال توجيه ضربة لها من قبل أميركا! هذا غير وارد. هل يمكن أن تقدم إسرائيل على ذلك؟ الجواب الأميركي: (لا ضربة من دوننا ونحن لا نريدها بل نعطي إيران فرصة حتى نهاية العام). إذاً لا ضربة حتى ذلك الوقت على الأقل، فهل تفعلها إسرائيل منفردة وتضع أميركا أمام الأمر الواقع؟ هذا أمر مستبعد وينبغي التفكير على الأقل اليوم بإمكانية الاتفاق، أو التهدئة مع إيران وما هو ثمن ذلك، وما هي انعكاساته على مستوى مواقع مختلفة في المنطقة. أما في الموضوع الفلسطيني، وإيران بالمناسبة أصبحت عنصراً يحاول التأثير فيه. فإن الإدارة الأميركية طلبت من نتانياهو العمل على "حل الدولتين"، فاعتبر الطلب صبيانياً وغبياً. ولم يشر بكلمة إلى الدولة الفلسطينية، بل أكد أمرين: ضرورة الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية: يعني لا عودة للاجئين. ووجود الفلســـــطينيين الباقين داخل "إسرائيل" مهدد! والأمر الثاني، قال بحق الفلسطينيين بأن يحكموا أنفسهم. لم يشر إلى دولة فلسطينية. يعني تحدث عن حكم ذاتي. وبذلك نسف كل إمكانية التوصل إلى حل. وهكذا إذا اعتبر البعض أن الزيارة كانت ناجحة من منظار أميركي أو من منظار الرهان على دور أميركي، فإنها في الحد الأدنى جمدّت كل شيء سلباً، ولم تحقق أي شيء إيجابي، وفي الحد الأقصى هي سلبية تماماً؛ لأن المواقف لا تزال على حالها، ولا يمكن انتظار حلول في الأشهر المقبلة. ويتزامن ذلك مع استمرار الممارسات ذاتها على الأرض التي تتعرض لمزيد من التهويد والاستيطان، ومع استمرار استهداف الفلسطينيين بحياتهم اليومية. هذا يستوجب بطبيعة الحال استعداداً لمواجهة احتمالات سلبية وسيئة. وبالتالي يستوجب موقفاً فلسطينياً موحداً بالحد الأدنى وموقفاً عربياً موحداً موازياً. والأمران غير متوافرين. السلطة الفلسطينية شكلت حكومة من دون "حماس"، وبعض "فتح" غير راضٍ عنها. فكيف يمكن أن تعمل؟ ما هي حدود صلاحياتها وسلطتها؟ وكيف تستقيم الأمور؟ وبينما نحن نطالب العالم بالالتزام بالقرارات الدولية والعمل على إلزام إسرائيل بها وبالاتفاقات مع الفلسطينيين ، نجد "حماس" لا تعترف لا بالسلطة ولا بالاتفاقات، والانقسام يقوم بين الضفة وغزة، وتقوم سلطتان تتنافسان، تتصارعان، فكيف يمكن أن تكون صدقية، وأن يكون دعم، وأن يكون تكامل وعمل يستفيد من طاقات الشعب الفلسطيني؟ وإلى جانب ذلك، تقوم إسرائيل بمناورات على حدود لبنان، وهي لم تتوقف عن انتهاك القرار 1701 وتهديد لبنان واللبنانيين. وقد تكشفت أمور كثيرة من خلال تفكيك خلايا "الموساد"، وتوقيف عدد كبير من العملاء لإسرائيل في عدد من المناطق اللبنانية وإدلائهم بمعلومات خطيرة عما كانوا يقومون به وينوون القيام به. ويتزامن كل ذلك مع الذكرى التاسعة لتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي على يد المقاومة وفي سابقة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي إذ هزمت إسرائيل وأجبرت على الخروج من الأرض اللبنانية ومن دون توقيع اتفاق معها أو دفع أي ثمن سياسي لها. وهذا يدعو إلى الاستفادة من هذه التجربة في الداخل اللبناني وعلى المستويين الفلسطيني والعربي. لكن للأسف، كلما ازداد الانقسام في لبنان، وزادت التشققات في الأرض اللبنانية، وتمزقت الخيمة التي تظلل اللبنانيين، كلما أتيح لإسرائيل وغيرها الدخول إلى الواقع اللبناني وزرع كل بذور العمالة والفتنة فيه وهذا بحد ذاته مؤذ للانتصارات والإنجازات وللمقاومة والوحدة الوطنية ولمستقبل اللبنانيين، وهذا يضيع إنجازات كشف العملاء. منذ سنوات كانت الدول العربية، تتباهى باعتقال جاسوس وتعتبر ذلك نصراً كبيراً لأجهزتها ومؤسساتها الأمنية. اليوم تتهاوى خلايا وشبكات وتقع بين أيدي المؤسسات الأمنية اللبنانية وكأن الأمر عادي هذا إذا لم يتعرض لتشكيك أو إهمال من قبل بعض اللبنانيين وهذا خطير جداً. كذلك في فلسطين فإن الأمر لا يمكن بقاؤه على ما هو عليه، وذلك كي يتسنى لنا مواجهة ما هو مقبل. من هنا، ففي ذكرى النكبة في فلسطين، وصمود الشعب الفلسطيني، ومرور 61 عاماً بعدها، وذكرى التحرير في لبنان بعد صمود دام عقوداً من الزمن وتضحيات كبيرة ينبغي الاستعداد لكل مناورات إسرائيل ومشاريعها بذهنية مختلفة منطلقة من قراءة واعية للمستجدات، ولا يمكن النجاح في أي مواجهة دون وحدة وطنية حقيقية. ولتحقيقها أولاً ينبغي الخروج من دوائر التشنج والاتهام والتخوين والتشكيك، والتركيز على الإيجابي لبناء الثقة لمعالجة كل ما هو سلبي في واقعنا!