إدوارد ب. دجيريجيان دبلوماسي أميركي عمل مع خمسة رؤساء أميركيين من جون كنيدي حتى كلينتون، وشغل منصب سفير في سوريا وإسرائيل، فضلا عن العديد من المناصب التي تولاها في الخارجية الأميركية، كما ترأس مجموعة استشارية مشتركة بين الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي" للدبلوماسية العامة. هذا الدبلوماسي صدر له كتاب تحت عنوان "الخطر والفرصة"، تحدث فيه عن تجربته السياسية والدبلوماسية على مدى ثلاثين عاماً، وروى بالتفصيل كثيراً من الأخطاء التي وقعت فيها السياسة الأميركية والإشكاليات المهمة التي تواجهها في المنطقة. الكتاب في الحقيقة خريطة إرشادية للسياسة الأميركية، وهو كتاب مفتوح لتوجهاتها نحو معالجة قضايا وهموم المنطقة العربية، وإصلاح علاقتها بالعالم الإسلامي، حيث يركز دجيريجيان على مسألة صراع الأفكار في البلاد الإسلامية، وبخاصة بين المتشددين والمعتدلين على أساس أن هذا الصراع هو الذي سيحدد مستقبل هذا العالم، ويطلب من صانعي السياسة في الولايات المتحدة الأميركية أن يفهموا الإسلام بصورة شاملة، وأن يركزوا على الديناميكية السائدة بين التقليد والحداثة في الثقافة الإسلامية، وأن لا تنظر الولايات المتحدة إلى الإسلام على أنه العدو الذي يواجه الغرب، بل أن تنظر إليه كقوة حضارية تاريخية أغنت ثقافة الغرب. ويحدد دجيريجيان من خلال هذا الصراع مسألة التوتر في المناطق الملتهبة بالصراعات مثل أفغانستان، وباكستان، وكشمير، والشيشان، والبلقان، وإيران، والعراق، والجزائر، وفلسطين، والسودان... والعديد من المناطق الأخرى ضمن هذا الشريط الحيوي والمهم من العالم. كما يحلل خطورة انتشار مثل هذا التوتر والصراع على مصالح الولايات المتحدة في تلك المناطق، حيث إن الانتشار المزعج للصراعات المحلية والإقليمية في هذا المسار القوسي، والذي يشمل المناطق الملتهبة، يهدد المصالح الأميركية الكبيرة والحيوية فيها. لذلك فثمة مصلحة لأميركا وللديمقراطيات الصناعية في أن تعترف بحقيقة أن ثلاثة أرباع احتياطي النفط والغاز في العالم، بالإضافة إلى مناطق امتداد البترول ونقاط الشحن وأنابيب نقل الطاقة... تقع كلها تقريباً في هذا المسار القوسي الملتهب. بالإضافة إلى ذلك، يشرح كيف أن الصراعات في هذه المنطقة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على امدادات البترول والأمن وأسعار النفط، وأن الفشل في حل مثل هذه الصراعات الإقليمية، وخاصة الصراع العربي الإسرائيلي، سوف يصعد من حالة الإرهاب في المنطقة. لذلك فإنه يركز على موضوع الديمقراطية في الشرق الأوسط ويدعو إلى تفعيلها بشكل سليم وصحيح، بحيث تكون هي الأساس في بناء مجتمعات حديثة. ويوضح ذلك من خلال القول إن الانتخابات بمفردها لا يمكن أن تخلق ديمقراطيات، فهي في الواقع تستغل لصالح الديكتاتوريات. ويعطي مثالا على ذلك من خلال لقائه بأحد القادة في الشرق الأوسط، حيث يقول: عندما التقيت به أشرت إلى إعادة انتخابه الأخيرة وفوزه بنسبة ساحقة (أكثر من 90 في المئة)، ثم سألته وأنا مرتعب، إذا كان يعرف الذين لم يصوتوا له، فما كان منه إلا أن أجابني مبتسماً: "يا سعادة السفير لدي أسماء كل هؤلاء". إن المسار الأمثل في نظر دجيريجيان لعلاج مثل هذه الإشكاليات يتمثل في أمرين: 1- تفادي فرض الحلول من الخارج، أي إعطاء شعوب هذه المناطق الحرية والفرصة في أن تقوم بعلاج مشكلاتها من الداخل، وفق ما يتناسب مع ظروفها وسياساتها، والمساعدة في دعمها بطرق ووسائل تتفق تماماً مع ظروفها. 2- أن يكون للدبلوماسية دور رئيسي في حل كثير من حالات التوتر والصراع في المنطقة، لأن الدبلوماسية تضع بذور التوصل إلى حل وسط، وهو أفضل بكثير من مجرد توضيح موقف وبسط تعليمات يمكن أن تنفر الناس وتزيد حالة الصراع والتوتر. لابد من منحهم فرصة للدفاع عن أنفسهم بطريقة تتوافق مع ظروف شعوبهم وسياساتهم.