شهد البيت الأبيض يوم الاثنين 18 مايو الجاري، اللقاء الأول بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتانياهو. وعلى الرغم من أن بعض المعلقين توقعوا جلسة عاصفة، إلا أن الزعيمين، بذلا جهداً كبيراً، من أجل أن يضفيا جواً متناغماً وودياً على لقائهما. وفي المؤتمر الصحفي غير الرسمي الذي عقد بعد انتهاء الاجتماع بينهما، أدلى أوباما ونتانياهو بتعليقات مثيرة للاهتمام، لكنها لا تعبر مع ذلك عن تحول جذري، حول مضمون المباحثات التي دارت بينهما. ويستشف من تلك التعليقات أن الرئيس الأميركي قد أكد لرئيس الوزراء الإسرائيلي التزامه بأمن إسرائيل، ومشاركته مخاوفه المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، وأن نتانياهو قد أكد من جانبه على الحاجة إلى رد فعل إقليمي تجاه إيران، في نفس الوقت الذي قلل فيه من المخاوف المتعلقة بإقدام إسرائيل على عمل منفرد من جانبها ضد إيران، وأعلن عن استعداده لاستئناف مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية في أسرع وقت ممكن، إلا أنه لوحظ في هذا السياق أنه لم يقل صراحة إنه يؤيد "حل الدولتين"، وهي عبارة كانت تتردد باستمرار على لسان الرئيس الأميركي السابق بوش الابن، وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أولمرت. ونتانياهو يعرف أنه سيضطر إن عاجلا أم آجلا للموافقة على مفهوم حل الدولتين، غير أنه وبسبب معرفته بحجم المعارضة التي يلقاها هذا المفهوم من جانب أعضاء حزبه، وأعضاء الأحزاب الأخرى التي تشكل ائتلاف الأغلبية الحاكمة الذي يقوده، سيعمل على توخي الدقة في اختيار التوقيت الملائم لإعلان هذه الموافقة. في نفس الوقت، يعتقد أن استراتيجية نتانياهو ستتضمن القيام ببذل مجهود منسق لإقناع مزيد من الحكومات العربية بالمساعدة على التوسط من أجل التوصل لصفقة شاملة يتم بموجبها الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، مع دعم الرؤى والمخاوف العربية إزاء التهديد الإيراني الذي يطل في الأفق، وإزاء المحاولات المستمرة من جانب طهران للتدخل في الشؤون السياسية للدول العربية، وبصفة خاصة مصر، ولبنان، والعراق، والسلطة الفلسطينية. يدرك نتانياهو كذلك أن "كعب أخيل" سياسته أو نقطة ضعفها القاتلة، هي إحجامه عن اتخاذ خطوات جادة من أجل إنهاء عمليات التوسع الاستيطاني التي تقوم بها إسرائيل في الضفة الغربية، وكذلك من أجل تخفيف الحصار والقيود المفروضة على حركة الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية. ويمكن للإدارة الأميركية أن تؤكد لنتانياهو أن ذينك الموضوعين -على وجه التحديد- سيكونان على رأس قائمة أجندة "جورج ميتشيل" مبعوث أوباما الخاص للشرق الأوسط، و"توني بلير" رئيس الوزراء البريطاني السابق وممثل اللجنة الرباعية، وأنه سيسمع طلبات متكررة منهما، بإجراء تغيير جذري في السياسات الإسرائيلية على الأرض، والتي تؤثر تأثيراً مباشراً على الحياة اليومية للفلسطينيين. من جانبهما سيقوم "جورج ميتشيل" و"توني بلير" بطمأنة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أن جهودهما المتعلقة بتعزيز قدرات قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية تحت إشراف الجنرال "كيث دايتون" سوف يتم استئنافها بالشكل المطلوب. بناءً على كل ذلك يمكن القول إن التوقعات ستكون على النحو التالي: مع تقدم شهور فصل الصيف سوف يتعرض نتانياهو إلى ضغط متزايد باستمرار من أعضاء فريق أوباما، بيد أنه من غير المرجح أن يصل هذا الضغط في أي وقت إلى حد المواجهة الصريحة. في هذا السياق، يحاول أوباما في الوقت الراهن تحقيق درجة من التوازن الدقيق بين قدرته على إبقاء أصابع نتانياهو تحت لهب المسألة الفلسطينية، وطمأنته -في الوقت نفسه- بشأن إيران، وتعزيز شعبيته (أي أوباما) في العالم الإسلامي بالتوازي مع ذلك. يوم الرابع من يونيو القادم سوف يمثل نقطة حاسمة في جهود أوباما، وذلك عندما يلقي خطابه المهم المرتقب بشأن العلاقات مع العالم الإسلامي من العاصمة المصرية القاهرة. بالنسبة لإيران، أوضحت إدارة أوباما على نحو جلي، أنه وإن كانت سياستها لا تزال ملتزمة بالتعاطي مع نظامها، إلا أنها لن تفعل ذلك رغبة في مجرد التعاطي من أجل ذاته، وإنما من أجل أن تتلقى مؤشرات مؤكدة من جانب إيران تفيد بأنها جادة، وأنها لن تستخدم المباحثات مع الإدارة الأميركية كأداة للتسويف وكسب الوقت دون أن تقدم مردوداً ملموساً... وهو ما عبر عنه أوباما بقوله: "لن تكون هناك محادثات تستمر للأبد" وفيما يتعلق بالحد الزمني النهائي للمباحثات مع إيران قال أوباما: "أغلب الظن أننا سنكون قادرين على قياس، وإجراء عملية إعادة تقويم، بنهاية العام الحالي". أما نتانياهو فكان من الواضح أنه يريد حدوداً زمنية أكثر حسماً وتحديداً، بيد أنه لم يكن مستعداً في هذه المرحلة للحديث علناً عن الحدود الزمنية النهائية الإسرائيلية قبل التفكير في استخدام القوة ضد النظام الإيراني، لأنه يعرف جيداً أن وزارة الدفاع الأميركية، وعلى وجه الخصوص وزيرها روبرت جيتس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال "ميتشيل مولين"، يؤمنان بأن استخدام القوة ضد إيران سوف يسفر عن مخاطر هائلة للولايات المتحدة في المنطقة، بل ولإسرائيل ذاتها أيضاً. الخلاصة، أننا يجب أن ننظر إلى اجتماع أوباما -نتانياهو على أنه يمثل الجولة الأولى فقط ضمن عدد من المواجهات التي يحتمل أن تتم بين الرجلين خلال الأشهر القادمة. لقد تجنب الرجلان الدخول في مواجهة علنية هذه المرة، غير أنه ما لم يحدث بعض التقدم على الجبهة الفلسطينية، وما لم تُبذل جهود لاحتواء القنبلة النووية الإيرانية، فإنه يمكننا توقع مواجهات أكثر حدة وعنفاً بينهما في المستقبل.