حين ننظر إلى الشمس (بحذر)، تبدو لنا نجماً ثابتاً لا يتغير؛ ولكن العلماء والمهندسين لديهم رأي مختلف تماماً، إذ تمثل الشمس بالنسبة لهم وعاءً ضخما ديناميكيا غير منظم وغير مفهوم من القوى الحرارية، يمكن أن يتصدر عنه انفجارات قوية من الإشعاع في أي لحظة. ولما كان كوكب الأرض يوجد في مرمى الانفجار، فإن هذا الأخير يمكن أن يُلحق دماراً كبيراً بشبكات الطاقة الكهربائية ويشوش على اتصالات الراديو ويعطل الأقمار الاصطناعية. غير أنه طيلة خمسين عاماً من "عصر الفضاء"، تفادى كوكبُ الأرض الأسوأ، الذي يمكن أن تفعله به الشمس، حتى الآن على الأقل. ولكن ومع دخول الشمس مرحلة تتميز بزيادة النشاط، فإن مزيداً من الانفجارات الشمسية المتكررة من المرجح أن تذهب في اتجاه الأرض، وهو ما دفع العديد من علماء الفلك والشركات إلى التساؤل حول ما إن كانت الأقمار الاصطناعية وشبكات الكهربائية مستعدة لذلك. وحسب "هايمن وانج"، مدير "مختبر بحوث مناخ الفضاء" بمعهد نيوجيرسي للتكنولوجيا ، فإن الانفجارات الشمسية هي نتيجة للتركيبة الكيميائية المعقدة للشمس؛ حيث تخلق العملياتُ الداخلية للشمس دوامةً من القوة المغناطيسية، التي تخفض قليلا حرارة سطح الشمس، مسببة مايسمى البقع الشمسية. وبعد كل 11 عاما، تقلب الشمسُ قطبيها الشمالي والجنوبي، وهو ما يتسبب في عدد متزايد من البقع الشمسية. هذا ويُتوقع حدوث ذروة الانفجار المقبل في 2012. تتراكم الطاقة المغناطيسية على سطح الشمس ثم تُطلق بعد ذلك فجأة في انفجار ضخم. وهذا الانفجار، وهو عبارة عن موجة من الجزيئات التي تتحرك بسرعة تناهز سرعة الضوء، تصل إلى كوكب الأرض بعيد الضوء نفسه بفترة قصيرة ، وهو ما يستغرق نحو ثماني دقائق لقطع الـ93 مليون ميل. بعبارة أخرى، فإن مراقبي السماء والنجوم لن يعرفوا أن انفجاراً للشمس قد حدث سوى قبيل وصول الإشعاع بفترة قصيرة. ولكن الغلاف الجوي المحيط بكوكب الأرض يخفف من قوة الانفجار، كما تقول مادهوليكا جوهاتاكورتا، مديرة البرنامج في مهمة "ستيريو" التابعة لـ"إدارة الفضاء والطيران" الأميركية "ناسا"، التي تدرس القوى الشمسية انطلاقا من مركبتين فضائيتين تدوران حول الشمس. فبفضل الغلاف الجوي المحيط بكوكب الأرض، والذي يلعب دور المخفف من قوة الانفجار، لا يشكل هذا الأخير خطراً كبيراً على الناس في الأرض. غير أن الطائرات التي تحلق على ارتفاعات الطيران والمركبات الفضائية تكون أقل مناعة وحصانة بكثير. وعلاوة على ذلك، بإمكان الانفجار أن يدمر الإلكترونيات الموجودة في الأقمار الاصطناعية، والتي تقع بالكامل خارج السلامة التي يوفرها مناخ الأرض. وإذا كان هذا الانفجار الأول يمكن أن يكون خطيرا، فإن ثمة موجة طاقة أكثر بطئا بكثير، وتسمى "القذف الجماعي التاجي"، أو "سي. إم. إي" اختصاراً، ويمكن أن تُلحق أضراراً حقيقية بالأجزاء الإلكترونية. والواقع أن ليس كل الانفجارات الشمسية تُحدث هذه الموجة، كما أن هذه الأخيرة تَحدث في أحيان كثيرة حين لا يكون ثمة انفجار. وحين تُلفظ وتقذف، ترسِل "سي. إم. إي" موجاتٍ قوية من القوة الكهرومغناطيسية في اتجاهنا؛ ولعل أكثر الإشارات وضوحاً، والتي يمكن رؤيتها هي الأضواء الشمالية والجنوبية الملونة، إلا أن لها أيضاً عواقب وخيمة. وأحد الأسباب أنه يمكن أن تتسبب في فشل وتعطل المحوِّلات الكهربائية، وهو ما قد يؤدي إلى انقطاعات للتيار الكهربائي في أماكن متعددة. والجدير بالذكر في هذا السياق أن عاصفة من "سي. إم. إي" قوية على نحو خاص ضربت الأرض في عام 1921، قبل أن يصبح للكهرباء الدور الكبير الذي تلعبه في حياتنا اليومية حاليا. وحسب تقرير صدر مؤخراً عن الأكاديمية الوطنية للعلوم، فإذا حدث انفجار بنفس الحجم اليوم، فإنه قد يقطع التيار الكهربائي عن 130 مليون نسمة من السكان. ومما يذكر أيضاً أن عاصفة مماثلة تسببت في انقطاع الكهرباء عن 6 ملايين شخص في إقليم كيبيك الكندي. وعلاوة على ذلك، فإن "سي. إم. إي" يمكن أن تتسبب في توسع الغلاف الجوي للأرض بشكل مؤقت، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تزحزح الأقمار الاصطناعية التي تدور في مدارات قريبة من الأرض مثل تلك الخاصة بـ"نظام تحديد المواقع العالمي" أو "جي. بي. إس" عن مداراتها. وبأخذ التغيرات في إرسال موجات الراديو التي تتسبب فيها "سي. إم. إي" بعين الاعتبار، فإن ذلك يمكن أن يفضي إلى أخطاء في تحديد المواقع. كما أن الحقل المغناطيسي يمكن أن يؤدي إلى مشاكل أو حتى أضرار في الأقمار الاصطناعية. غير أن شركة "تي في دايريكت"، التي تقدم للقنوات التلفزيونية خدمات الاستقبال والإرسال عبر الأقمار الاصطناعية، تبدو مطمئنة حيث يقول متحدث باسم الشركة في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "إن الأحداث الشمسية ليست أحداثاً في الواقع؛ ذلك أنه منذ أن بدأنا نشاطنا قبل أزيد من 14 عاما، لم نشهد أبدا مشكلة أو تشويشا ما بسبب الانفجارات الشمسية"، مضيفاً "إن تاريخ الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية يتميز بقدر كبير ولافت من الكفاءة والفعالية"، لأن كل واحد من تلك الأقمار الاصطناعية مزود بدرع واق ونظام بديل من باب الاحتياط. غير أن جوهاتا كورتا من وكالة "ناسا" تبدو أقل يقينا وتفاؤلا إذ تقول: "في الماضي، كانت الأقمار الاصطناعية تُصنع بقدر أكبر بكثير من النزاهة والتفاني. أما اليوم، فإننا نطلق الكثير جداً من الأقمار الاصطناعية، ثم إن الإلكترونيات تتغير. وبالتالي، فلا أعتقد أن الإلكترونيات فعالة وتُختبر على نحو جيد مثلما كان عيله الحال في الماضي". --------- جيمس ترنر كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"