لا تبدو عمليات التهدئة النفسية أو ما عرف بسياسة "القوة الناعمة" للرئيس أوباما مجدية إلى حد كبير حتى الآن، إزاء تمسك مؤسساته الحاكمة بمواقفها المتشددة. وقد قيل لتفسير سلوكها أنها تريد حسم مصير المواقع الأساسية أولا، أو بسرعة تتيح للرئيس تنفيذ سياسة التهدئة الناعمة عقب ذلك، لكن مواقف قواته في العراق، وتصعيد العمليات بأعلى من أي وقت في باكستان وأفغانستان، واستمرار التوتر في الصومال ودارفور، لا يوحي كل ذلك أن الإدارة الأميركية الحاكمة الآن هي نفسها "طاقم أوباما" الانتخابي، الذي وعد بالتهدئة. ولا يبدو الموقف "المحلي" في كثير من هذه المناطق مساعداً على تنبؤ آخر في الوقت القريب. وإذا كانت المنطقة الأفريقية هي التي تعنينا في هذا المقال، فإن القارة الأفريقية "مجتمعة" لم تظهر على خريطة سياسة أوباما الجديدة، مثل غيرها، ولم يظهر فيها مستشار أو مبعوث فعال، ولم تهدأ منطقة متوترة فيها بناء على وعود جديدة بحل مختلف. وأتصور أنه بسبب وعوده "التنموية" لأفريقيا، بأكثر من كونها وعوداً سياسية، فإن كل برامج التنمية على المستوى العالمي معطلة "حتى إشعار آخر" بسبب الأزمة المالية العالمية، ومن ثم فلا مكان لأفريقيا عند أوباما "الأفريقي الأصل"، إلا في حدود الزيارة المتوقعة التي تبدو رمزية (غانا- كينيا). لكن لماذا كل هذا التشاؤم بشأن أفريقيا؟ هل لأن التشاؤم الأفريقي" هو الشعار الثابت لعلم الاجتماع السياسي الأفريقي مقابل التفاؤل الآسيوي؟ أم لأن مناطقها الخمس تعيش حالة من عدم الاطمئنان لا تحسد عليها؟ أم لأن الأمل في تحلل المركزية الأميركية بات ضعيفاً؟ ليس بسبب عدم ظهور مراكز صغرى إقليمية في القارة، بل لتصاعد الصراعات المحلية التي تشكل عاملا سلبياً بالنسبة لهدوء هذه المناطق. والأمثلة على ذلك متعددة: *الصراع السوداني- التشادي: ما الذي يدفع بقوات التمرد التشادي إلى قلب البلاد قادمة من الشرق بهذه القوة التهديدية، إلا أن يكون "الموقف السوداني" مطمئنا لها، ولا نقول داعماً! لكني أتصور أن يكون في ذلك رد سوداني على محاولة "غزو أم درمان" من قبل؛ حيث صرح الرئيس السوداني بنفسه في صحف عربية أن "معدات المهاجمين"، جاءت من تشاد! وفي هذا الجو يلتقي المفاوضون السودانيون والتشاديون في الدوحة مع احتمال آخر لتسوية النزاع. في هذه اللحظة يُقال الكثير عن وقفة الصين مع السودان، وتدخل فرنسا العسكري المباشر لإنقاذ النظام التشادي بقوة السلاح الجوي والبري، بل ونسمع عن ضرب مناطق سودانية بـ"سلاح تشادي" ولتصبح المنطقة؛ مدخل الصحراء الكبرى الشرقي، "رهينة" القوى المساندة، بينما أسس التوتر مستمرة لإشعال الحروب في الصحراء الكبرى في أي وقت حسب توزيع المصالح، ما دامت "النظم" مرهونة بهذا الشكل. *الموقف في أرض الطوارق: أرض الرمال الموارة، ومستودع حوالى ربع احتياطي العالم من اليورانيوم في النيجر ومالي، والصراعات المسلحة منذ اكتشاف هذا المعدن الاستراتيجي بكثافة أول التسعينيات بالذات ومن قبل ذلك بكثير! وبالرغم من تقاليد الترحال الصحراوي المنظم تسيطر على هذه المناطق تنظيمات لا تخلو من حداثة "التنظيم السياسي"، الذي يتابع إغراء التوازن بين المصالح الفرنسية والمصالح الأميركية في المنطقة. الأولى يفزعها اقتراب "الآخرين" من اليورانيوم، والثانية يفزعها "إرهاب القاعدة ضد بترول المنطقة كلها". وبريطانيا بوجه خاص قلقة على بترول نيجيريا جنوب "بلاد الساحل" وتنافسها في ذلك فرنسا منذ موقعة "ببافرا" أواخر الستينيات وحتى الآن. وقد تملك الرعب الفرقة العسكرية الأميركية المستقرة في المنطقة الصحراوية هذه حين اكتشفت صور "بن لادن" في "كيدال" شمال مالي أو في "أجاديس" غرب النيجر!، كان ذلك منذ بضع سنوات، ومنذ ذلك الحين جرى الأميركيون ليكثفوا العلاقة بالجزائر ويوثقوها مع ليبيا في محاولة للاتصال الآمن بحركات التمرد المنظمة؛ "حركة العدالة" في مالي، وحركة "التحالف" في النيجر... ويستطيع المرء أن يرصد- مثل الحالة التشادية والسودانية- عشرات الاتفاقات لوقف إطلاق النار، والتصالح، وخرق كل ذلك في أيام على نحو ما سمعنا حين تعرض الحكم في مالي لهجوم حاد في "تن الزواتين" شمال مالي "قرب حدود الجزائر ولم تنقذه إلا الطائرات الأميركية التي أسقط الطوارق إحداها! إذن من الممكن أن نرى النيران تشتعل في الصحراء الكبرى كلها بسهولة في أي وقت، لتحرق أطرافاً متعددة، ليس فقط عدداً من الدول الأفريقية، حول هذه الصحراء، ولكن عددا آخر من الدول العربية شمال أفريقيا. ثمة تساؤلات قوية عن الدور الإقليمي لبعض الدول المفروض أن تكون موجودة في هذا الموقف. وقد كانت نيجيريا تقوم بذلك لبعض الوقت خاصة أثناء رئاسة "أوباسانجو"، ولكن الدور خبا بضعف ومرض الرئيس الحالي "يارادوا" من جهة، وتعرض نيجيريا نفسها لما يصيب غيرها في المنطقة من أزمات وتوترات حادة تصيب الآن بترولها في دلتا النيجر من جهة أخرى، وتصل عمليات نزف وتهريب البترول النيجيري وحرق آباره، إلى درجة ملفتة، كما يتم التهديد بخطف السياح والخبراء وخاصة الصينيين في المنطقة، مع ظهور زعامات راديكالية، اجتماعياً وسياسياً، مما يضع الحكم القائم في نيجيريا في حالة استنفار داخلي كامل، بعد أن كانت "أبوجا" مصدراً لتعبئة قوات حفظ السلام في المنطقة الصحراوية والساحلية (ليبيريا- سيراليون- ساحل العاج) أو التدخل القوي من أجل السلام في تشاد والسودان نفسها لفترة... أما الدول الأخرى المرشحة للأدوار الإقليمية، دون قدرة على ممارستها بكفاءة أو استراتيجية حقيقية، فمازالت دول الشمال الأفريقي العربية. ويصعب أن تسمع جديداً في هذا الشأن رغم توفر عناصر الكفاءة، لكن الافتقار إلى العقلانية، وتردي الإرادة السياسية يحتاج إلى دراسات استراتيجية كفؤة "ونخبة سياسية من طابع جديد. وليس صدفة أن يتوقف الكثيرون منتظرين انبعاث الحلول وصدور الرسائل من بين يدي أوباما، وقوته الناعمة.. لكن انتظارهم قد يطول.