من المهم أن نتعرف على موقف الرأي العام الأميركي من عملية التسوية، بعد أن كشف المؤتمر السنوي للجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية "إيباك"، والذي انعقد في الأسبوع الأول من الشهر الحالي عن فروق جوهرية في وجهات النظر المتصلة بتسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بن اللوبي الإسرائيلي في واشنطن وبين الإدارة الأميركية. لقد استهل نائب الرئيس الأميركي كلمته أمام المؤتمر بعبارة كاشفة حيث قال: إن كلماتي قد لا تعجبكم"، ثم طرح رؤية الإدارة، التي تدعو إسرائيل إلى العمل من أجل حل قائم على الدولتين، وليس بناء مزيد من المستعمرات والسماح بحرية التنقل للفلسطينيين وحصولهم على فرص اقتصادية. لقد جاء هذا الطرح صادماً للوبي الإسرائيلي، الذي استمع باستحسان إلى خطاب نتانياهو المتلفز، والذي لم يشر من قريب أو بعيد إلى "حل الدولتين"، وواصل حديثه المعتاد عن السلام الأمني والاقتصادي مضيفاً من باب التغطية الشفوية أنه مستعد للتفاوض السياسي دون أي تحديد لمهمة هذا التفاوض. الرأي العام الأميركي يتعرض لوجهتي النظر المتعارضتين المذكورتين، وهو ما دعا مراكز البحوث الأميركية إلى إجراء استطلاعات تستهدف اكتشاف اتجاهات الرأي العام في هذا الصدد. أمامنا نوعان من استطلاعات الرأي: الأول خاص باليهود الأميركيين، والثاني يتسع لشرائح الرأي العام على تنوعها. في النوع الأول نكتشف من الاستطلاعات التي نشرت في وقت مبكر بعد نجاح نتانياهو في الانتخابات الإسرائيلية أن الجمهور الأميركي اليهودي يعطي تأييداً واسعاً لأوباما وسياساته تجاه التسوية أكثر من تأييده لنتانياهو. يشير "جيم جير شتين" في دراسته التي نشرتها منظمة "جي ستريت"، وهي إحدى المنظمات اليهودية الأميركية المعتدلة إلى أن حوالي 73 في المئة من اليهود الأميركيين يؤيدون السياسات التي يطرحها أوباما، في حين حصل نتانياهو على تأييد 58 في المئة ممن استطلعت آراؤهم، وهنا يستنتج الباحث الأميركي من هذه النتائج أن أوباما، سيبدأ مباحثاته مع نتانياهو، وهو يتمتع بتأييد منقطع النظير من هذه الشريحة من الرأي العام. وهنا يبدو أمامنا أن أوباما يقدم طروحات تلقى استحسان هذه الشريحة أكثر من طروحات اللوبي الإسرائيلي من يهود أميركا، وهو أمر يمكن تفسيره بعدة مؤشرات. المؤشر الأول أن هذه الشريحة يعتقد أغلبها أن التوصل لتسوية في الشرق الأوسط يمثل مصلحة أميركية أساسية على حد العبارة التي استخدمها 53 في المئة من المفحوصين. أما المؤشر الثاني، فيتمثل في اطمئنان غالبية كبيرة إلى رعاية ودعم أوباما لإسرائيل وأمنها ومصالحها، فقد رأى 76 في المئة أن لدى أوباما رؤية جيدة للمضي قدماً في عملية التسوية. أما المؤشر الثالث، فيتمثل في اعتقاد غالبية اليهود الأميركيين أن الوساطة الأميركية هي محور عملية السلام بنسبة 87 في المئة. موقف هذه الشريحة من الرأي العام الأميركي، وهو يؤكد اطمئنانه إلى دعم أوباما لإسرائيل، يبدو مشروطاً فهو يؤيد الدور الأميركي النشط في عملية السلام حتى لو لجأت الإدارة الأميركية لانتقاد سياسة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. ويأتي التأييد في هذه الحالة بنسبة كبيرة، وهي 69 في المئة، ولكن هذه النسبة تتراجع فيما يبدو شرطاً تشترطه شريحة اليهود الأميركيين لمواصلة تأييد أوباما، حيث تصبح النسبة في حالة تعارض الدور الأميركي مع السياسات الإسرائيلية 52 في المئة. ظهور نسبة تأييد كبيرة وهي 69 في المئة من يهود أميركا للتوصل إلى سلام نهائي وفق رؤية الدولتين، تعني أن هذه الشريحة في غالبيتها منحازة لسياسة الحكومة الإسرائيلية السابقة التي قبلت بهذا الحل، وهو ما يتأكد عندما نلاحظ أن 69 في المئة يعارضون أطروحات ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي حول ترحيل عرب إسرائيل، وأن 64 في المئة يعارضون التوسع في بناء المستعمرات بالضفة باعتباره عقبة في طريق التسوية. وأيضاً عندما نكتشف أن 61 في المئة يؤيدون التفاوض مع حكومة فلسطينية موحدة تضم حركتي "فتح" و"حماس" بشرط اعتراف "حماس" بشروط "الرباعية". ومن الغريب أن يبدو الرأي العام الأميركي على اتساعه أكثر اقتناعاً بطروحات اللوبي الإسرائيلي، حيث يظهر في استطلاع أجرته مؤسسة التعاون الأميركي- الإسرائيلي أن 76 في المئة من الأميركيين على نحو عام يرون ضرورة الربط بين الجهد الأميركي للتسوية والضغط على إيران لمنع إمداد الفصائل الفلسطينية بالسلاح، كما يظهر أن نسبة جارفة تبلغ 90 في المئة تعطي الأولوية لوقف الفلسطينيين عمليات تعليم أبنائهم كراهية إسرائيل، في حين تبلغ نسبة من يعارضون الاستيطان اليهودي في الضفة 38 في المئة فقط. هذه النتائج تظهر الأهمية البالغة لضرورة تحرك المؤسسات العربية للتواجد بأنشطة مؤثرة في الولايات المتحدة لإبلاغ الرأي العام بالمواقف العربية البناءة والهادفة إلى دعم جهود أوباما في تحقيق التسوية العادلة.