هناك الكثير من المشكلات التي لا يمكن التصدّي لها بفعالية في ظلّ غياب الوعي الجمعي العام بها، وبخطورتها، وبكيفية التعامل معها، وبدور كل فرد وما يجب عليه فعله في مواجهتها، ومن هنا تأتي أهميّة التوعية بالإشكاليات والأخطار التي تواجه المجتمعات الحديثة، التي تقع مسؤوليّة التوعية بأخطارها وسبل تفاديها أو معالجتها على كاهل مؤسسات مختلفة، دينيّة وتعليميّة وإعلاميّة وغيرها. إن ضعف التوعية، وبالتالي الوعي، يعدّ مسؤولاً عن كثير من مظاهر الخلل في المجتمعات مثل ارتفاع الأسعار، والقيادة المتهوّرة في الشوارع، وعدم احترام النظام العام، والعادات الغذائيّة السلبيّة، ونمط الحياة غير الصحي، وكذلك ضعف آليّات التصدي للأمراض والأوبئة الصحيّة، وغلبة الفزع والهلع على الأفراد في حالات كهذه. هذه المظاهر تشير في أحد جوانبها المهمّة إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من التوعيّة التي توجِد المواطن الإيجابيّ الذي يدرك طبيعة الأخطار المحيطة، ويعمل ليس على تجنبها فقط، وإنّما يتحرّك للتصدّي لها، والمساعدة على منعها من التفاقم، ويعرف أن أيّ خطط أو سياسات حكومية، مهما كانت محكمة وفاعلة وعلمية، لا يمكنها أن تحقق الأهداف المرجوّة منها من دون دور مؤثّر يقوم بأدائه. الدور الرسميّ في التحرّك الوقائي الفاعل تجاه أي أزمات طارئة، أو إشكالات عابرة، أو تهديدات محتملة، مطلوب وبإلحاح، ولكن وجود التوعية لدى الأفراد يعظّم من المردود الإيجابي لهذا الدور، ويحصّن المجتمع ويحميه من أيّ محاولة لاختراقه من قبل قوى متطرفة، أو أفكار ضارة، أو نماذج للحياة لا تتفق مع دينه وعاداته وتقاليده، ويسلّحه بالسلاح القوي في أوقات الأزمات، ويجعله قادراً على مواجهة أي طارئ، سواء تعلق الأمر بكوارث طبيعية، أو أمراض وبائية، أو غيرها. ولأنّنا نعيش عصر الأزمات، الطبيعية والوبائية والأمنية والاقتصادية، فإن التوعية أصبحت ذات أهمية استثنائيّة، حتى يمكن للناس التعامل الصحيح مع الكثير من الظواهر السلبية التي تظهر في أوقات الأزمات. وفي هذا السياق، فإنّ دولة الإمارات تعمل على الاهتمام بالتوعية، لأنّها تدرك أن للناس دوراً أساسياً في إنجاح السياسات والخطط والأهداف الوطنيّة على المستويات كلها، سواء تعلّق الأمر بكيفية التعامل مع قواعد المرور، أو بعض الأمراض الخطرة، أو العمال الأجانب، أو غيرها من القضايا المطروحة على أجندة المجتمع. ولكن على الرغم من ذلك، فإن هناك حاجة إلى مزيد من التوعية المخطّطة والفاعلة التي يمكن أن تقي المجتمع من مشكلات كبيرة، لأن الوعي الكافي يجعل الناس تحترم النظام والقانون، وتتصدّى لأي ارتفاع غير مبرّر في الأسعار، ولا تستجيب لدعاوى التشدّد والتطرّف، وتعرف كيف تتصرف في الأزمات، وتدرك أهمية التعاون مع السلطات المختصّة في التعامل مع أي خطر، وكيف تتعامل مع الشائعات... إلخ. ولكي تؤدّي عملية التوعية دورها المرجوّ لابدّ أن تكون منظمة ومخططة وهادفة، وفي إطار يضمن التفاعل معها من قبل الناس. وإذا كانت هناك مؤسسات عديدة تقوم بمهمّة التوعية مثل الأسرة والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية، فإنّ هذه الأخيرة لها أهميتها الخاصّة، نظراً إلى أهمية الدين وقدرته على التأثير في مجتمعاتنا، ولذلك فإن من التوجّهات الإيجابية في دولة الإمارات أن خطبة الجمعة لم تعد تركّز على المسائل الدينية التقليدية فقط، وإنما بدأت تهتمّ بالمسائل الحياتية المعاشة، وتنطوي على توعية مباشرة للنّاس بالأخطار المحيطة بهم، وتدعوهم إلى الإيجابيّة في مواجهتها، والحسّ الوطني في التعامل معها، ولا شكّ في أن ذلك له تأثيره الكبير فيهم، والذي يستمدّه من تأثير الدين وأهمية دور العبادة في تشكيل التوجّهات ونشر السلوكيات والقيم الإيجابيّة في المجتمعات. ـــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.