هناك شواهد عدّة على وجود تهاون ملحوظ في التزام معايير الأمن والسلامة المطلوبة على مستوى بعض البنايات السكنية أو المؤسسات التجارية، وهذا التهاون ربما يفتح الباب بدوره أمام وقوع ما لا تحمد عقباه، فضلاً عن صعوبة التعامل مع أي خطر ينجم عن ذلك من قبل الأجهزة المختصة في حال وقوعه، والنتيجة تكون خسائر بشرية ومادية كان يمكن تفاديها عبر الأخذ بالآليات والمعايير التي تمنع وقوعها. تكشف الحرائق التي تقع في بعض البنايات السكنية عن مخالفات في اشتراطات الأمان بها، خاصة في ما يتعلّق بأجهزة الإنذار وإطفاء الحرائق والصيانة الدورية لها، إضافة إلى مراعاة أن يتناسب عدد السكان مع القدرة الاستيعابية للبناية، خاصة في ما يتعلّق بالطاقة الكهربائية، وهذا ما أشارت إليه بشكل واضح "شرطة أبوظبي". في ظلّ هذا الوضع، لا بدّ أولاً من وجود معايير محدّدة بخصوص اشتراطات الأمن والسلامة في البنايات والمؤسسات من ناحية، وعقوبات صارمة لردع أي مخالفة لهذه الاشتراطات من ناحية أخرى؛ لأن الأمر يتعلّق بأرواح تزهق وخسائر تصل إلى الملايين من الدراهم في بعض الأحيان. ويأتي مشروع اللائحة التنفيذية لقانون الدفاع المدني رقم 23 لعام 2006، الذي كشف مدير عام الدفاع المدني مؤخراً عن أنه في مراحله النهائية، ليضع روادع قوية ضد أي مخالفة في هذا الشأن، مثل الغرامات المالية التي قد تصل إلى مئة ألف درهم وإمكانية إغلاق المنشأة في حال المخالفات الخطرة، إضافة إلى تحميل الجهة التي تعرّضت إلى الحريق لتكلفة إخماده إذا كان هذا الحريق ناتجاً عن إهمال أو مخالفة من قبلها في معايير الأمن والسلامة لديها. حوادث الحريق تحدث في كل دول العالم، وهي مرتبطة في جانب منها بعملية التطوّرين التنموي والعمراني وطبيعة الحياة العصرية، لكن حينما تتوافر معايير الأمن والسلامة، فإن هذا يؤدي إلى أمرين: الأول هو الحد من مثل هذه الحوادث، حيث لا يمكن منعها بشكل تام، والثاني هو تحجيم الخسائر الناجمة عنها، وهذا ما يفسّر الخسائر الضخمة لبعض الحوادث الصغيرة في بعض الدول والخسائر الضئيلة لبعض الكوارث الكبيرة في دول أخرى. والفرق بين الحالتين هو مدى توافر الاستعدادات والآليات التي يمكن من خلالها التعامل مع الكارثة أو الأزمة، أياً كان حجمها، من عدمه. إن العقوبات المشدّدة المقترحة في مشروع اللائحة التنفيذية لقانون الدفاع المدني رقم 23 لعام 2006، تعكس إدراكاً من قبل الجهات المختصة لواقع التهاون في الأخذ بمعايير الأمان والسلامة من ناحية، وما يترتب على ذلك من خسائر ضخمة من ناحية أخرى، ولذلك، فإنه من المأمول أن تعيد مثل هذه العقوبات الأمور إلى نصابها الصحيح مرة أخرى وتمثّل قوة ردع كافية في مواجهة المخالفين والمستهترين الذين لا يهمّهم سوى مصلحتهم الشخصية الضيّقة وتحكمهم نظرة قصيرة المدى تضرّ بهم وتعرّض المجتمع كلّه للخطر. تدرك دولة الإمارات أن العالم يعيش ما يعرف بـ"عصر الأزمات"، ولذلك فإنها تعطي أهمية كبيرة لوضع الخطط والآليات الكفيلة بالحماية منها ومواجهتها ومعالجة آثارها في حال وقوعها، ولعلّ إنشاء "الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات" يمثّل علامة مهمّة في هذا السياق. ومع أهميّة الخطط والمؤسسات والقوانين واللوائح، فإن التوعية لها دورها الأساسي والجوهري؛ لأن كثيراً من الحوادث، والحريق بشكل خاص، تقع بسبب أخطاء بشرية فردية، وتكشف الكثير من الحالات عن مواجهة الأجهزة المعنية صعوبة في معالجة بعض الحوادث بسبب التصرّفات السلبية للناس، التي تعوق ولا تساعد وربما تسهم في زيادة الخسائر.