على الرغم من العنف الذي طاله خلال الأسابيع القليلة الماضية، فإن العراق هو الذي يتعرض الآن لاحتمال التحول إلى "حرب منسية". فالعراق غدا الآن"نصراً" مدركاً، وحرباً يود الكثيرون من الأميركيين وأعضاء الكونجرس نسيانها، على نحو قد يجعلنا نندفع نحو"مخرج" ما دون استراتيجية واضحة، فنفقد بذلك الحرب الدائرة، والسلام الذي يمكن أن يليها. من السهولة بمكان نسيان أننا قد "كسبنا" في فيتنام. فقد تركنا هذا البلد بعد أن هزمنا الـ"فيت كونج ، وأرغمنا فيتنام الشمالية على وقف هجماتها، وتركنا شيئاً شبيهاً بالديمقراطية العاملة، ومستوى معقول من التنمية، وقوات فيتنامية قادرة على الدفاع عن بلدها سواء بدعمنا أو من دونه. ولكن الأمر لم يستغرق سوى سنوات قلائل، لتبيان كيف يمكن أن يكون الخروج من دون استراتيجية مكلفاً. هناك حدود لما يمكننا عمله في العراق. فليس في مقدورنا مثلا إرغام العراقيين على التوصل لتسوية سياسية، ولا في مقدورنا تطوير اقتصادهم بالنيابة عنهم، أو العمل كبديل دائم عن قوات عراقية كفؤة أو عن إرساء الأمن المحلي، وحكم القانون. غير أن ذلك لا ينفي أن هناك خطوات يمكن لنا اتخاذها، ونستطيع اتخاذها بالفعل لاستكمال "عملية التطهير، والتمسك، البناء" وهي مفردات الاستراتيجية التي غيرت مجرى الحرب على نحو درامي منذ عام 2007. أولا، نحن في حاجة لضمان أن العراق قادر على استكمال عملية "كسب الحرب" والبدء بعد ذلك في عملية "التمسك" بما تم تحقيقه وإنجازه. يجب أن نوضح للعراقيين بشكل لا لبس فيه أننا سنكون مرنين حول سرعة ومستوى انسحاب القوات الأميركية، إذا وجدنا أن الحكومة العراقية بحاجة لمقدار محدود من المساعدة الإضافية التي تمكنها من هزيمة "القاعدة"، وتأسيس أمن قومي. يجب علينا أيضاً توضيح أن فرق الولايات المتحدة الاستشارية العسكرية، بما في ذلك المستشارون المقيمون المطلوبون لجعل القوات العراقية القتالية مستقلة تماماً وفعالة، سوف يظلون في أماكنهم طالما ظل العراق في حاجة إليهم. يجب أن نكون مستعدين لاستبقاء فرقنا الاستشارية وتعزيزها إذا دعت الضرورة لمساعدة العراقيين على تطوير شرطة كفؤة ونظام للعدالة الجنائية. وإذا استدعت الضرورة، يجب علينا تقديم المساعدات والمعدات العسكرية، إلى أن يصبح العراق قادراً على الخروج من أزمة الميزانية التي يواجهها بسبب انهيار أسعار النفط، والتي أدت إلى تخفيض الميزانية العراقية المقررة من 78 مليار دولار إلى 58.6 مليار دولار. ثانياً، يجب أن نساعد العراق على"البناء". فلا شك أن المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للعراق ستزداد أهمية خلال السنوات المقبلة، وخصوصاً أثناء عملية الانتقال من عملية "بناء الأمم" المسلحة، أي التي تتم أثناء استمرار الحرب، إلى عملية إعادة الإعمار التي تتم بعد انتهاء الصراع. يعني هذا أننا سنكون بحاجة إلى إبقاء مستشارينا العسكريين والحكوميين (أي المكلفين بتقديم المشورة للحكومة) في أماكنهم طالما ظل العراق في حاجة إليهم. كما سيعني أيضاً إبقاء ما يعرف بـ"فرق إعادة الأعمار الإقليمية" في الميدان، مع العمل على استبدال أعضائها العسكريين بآخرين مدنيين. كما يعني القيام بمجهود أميركي رئيسي لدعم العراق أثناء التعامل مع صندوق النقد الدولي وأثناء حل مشكلتي الديون والتعويضات اللتين تواجهانه. وربما يتطلب الأمر أيضاً تقديم مساعدات اقتصادية مخصصة لمشروعات ومناطق مختارة بعناية. ودبلوماسية أميركا النشطة سوف تكون على نفس القدر من الأهمية فيما يتعلق بمساعدة العراق على التحرك للأمام نحو التسوية السياسية، وتخفيض خطر الصراعات الجديدة بين العرب والأكراد، والسنة والشيعة، أو العنف المحلي. أما البعد النهائي من أبعاد مجهود "التمسك" بما تحقق، فسوف يتطلب منح أعلى قدر ممكن من الأولوية لمساعدة العراق على تطوير حقوله النفطية وتجديد وزيادة قدراته التصديرية. وهذا لا يعني توفير مساعدات مالية فحسب، وإنما يعني الاعتراف بأن 95 في المئة من عائدات الحكومة العراقية سوف تأتي من صادرات النفط خلال الخمس سنوات القادمة، وأن حل المشكلات التي يعاني منها قطاع النفط في أسرع وقت ممكن هو الوسيلة الوحيدة للعراق للحصول على الأموال والعائدات الحكومية التي يمكن أن تساعد على توحيد البلد وتمويل الأمن والاستقرار. لن يستطيع العراق تحديد ذلك دون استثمارات كبيرة في المجال النفطي ودون عمليات نقل للتقنيات المتطورة من شركات النفط العالمية الكبرى على أن يكون معروفاً في هذا السياق أن مساعدة العراق لا تعني أبداً دفعه للدخول في علاقات تعاقدية مع الشركات النفطية الأميركية فحسب، وإنما يعني أن نقوم من جانبنا نحن الأميركيين بمنح الشركات والمؤسسات الأميركية والغربية النفطية المشتركة الدعم الملائم من جهة، ومنح الأولوية لعمليات تقديم المناقصات والعطاءات الشفافة والتنافسية من قبل الحكومة العراقية. بعض من هذه العمليات سوف يكلف الولايات المتحدة تضحيات بشرية ومالية بيد أننا يجب أن نعرف أن مثل تلك الأكلاف ستكون أقل كثيراً من الأكلاف في المديين المتوسط والطويل، والتي يمكن أن تنتج عن إعطاء انطباع بأن هناك احتمالا كبيرا لإقدام الولايات المتحدة على ترك العراق دون أن يكون آمناً ومستقراً. يجب على الولايات المتحدة أن تترك العراق، وهو قادر على تأمين الاستقرار في منطقة الخليج العربي وهي منطقة يوجد بها ما يقارب نصف الاحتياطيات العالمية من النفط والغاز، وهي أيضاً منطقة ستكون فيها مصداقية أميركا المستقبلية شيئاً في غاية الأهمية فيما يتعلق بالتعامل مع الإرهاب "الجهادي" تماماً مثلما هو الحال - من الناحية الاستراتيجية - في جبهتي أفغانستان وباكستان، لقد كانت فيتنام بلداً يمكن الاستغناء عنه أما العراق والخليج فلا. -------- أنتوني كوردسمان خبير استراتيجي بمركز الدراسات الاسترتيجية والدولية بواشنطن --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"