السباق الماراثوني لانتخابات مجلس الأمة الكويتي، شارف على نهايته، فالانتخابات على الأبواب، ولم تبق إلا أياماً معدودة على يوم 16 من الشهر الجاري. ومع اقتراب يوم الحسم الانتخابي تشتد سخونة المعترك وتزداد حدة التنافس بين المرشحين على الكراسي الخمسين، فتعقد التحالفات السياسية والقبلية وتتم الصفقات والتنسيقات وتنطلق كل الأسلحة الانتخابية، ومن أبرزها سلاح الفتاوى، وسلاح الإشاعات وتبادل الاتهامات، وتتصاعد حمى شراء الأصوات، وتستنفر الحكومة الكويتية كامل أجهزتها وتجند كافة طاقاتها لمواكبة الانتخابات. الكويتيون هم الرواد في التجربة الديمقراطية في الخليج ويملكون خبرات متراكمة على امتداد نصف قرن في العمل الانتخابي والديمقراطي، وهم متمسكون بديمقراطيتهم بالرغم مما اعتراها من أوجه قصور وخلل عطلت مسيرة التنمية في الكويت في السنوات الأخيرة بسبب حالة التأزم السياسي بين السلطتين: الحكومة والبرلمان، والتي امتدت 3 سنوات تخللتها حالتا الحل والاستقالة لكل من الحكومة والبرلمان، عدة مرات، مما جعل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد يخاطب الشعب الكويتي في خطاب حل البرلمان يوم 18 مارس متمنياً على الكويتيين حسن اختيار ممثليهم في البرلمان القادم. الكويتيون اليوم وعوا الدروس السابقة وهم يأملون في مجلس جديد ومختلف، يضع حداً لحالتي التأزم والاحتقان اللتين لازمتا المجالس السابقة، ويعاون الحكومة في تمرير المشاريع والخطط التنموية المعطّلة لتستأنف الكويت ريادتها في مجالات التنمية والتحديث والتنوير. يتسابق إلى البرلمان الجديد 214 مرشحاً منهم 17 مرشحة، لكن الملاحظ في الانتخابات هذه المرة، عزوف 14 نائباً سابقاً عن خوض الانتخابات، هؤلاء النواب هم فرسان قدامى مخضرمون آثروا أن يترجلوا ويفتحوا المجال لغيرهم من المرشحين الجدد، ولكلٍ أسبابه الخاصة. وتبدو حظوظ المرأة الكويتية في الوصول إلى الكرسي البرلماني في قاعة عبدالله السالم، مُبشِّرة، وهناك توقعات كبيرة بنجاح الكويتية في غزو البرلمان العتيد -معقل الرجال التاريخي- وهذا ما أرعب "الحركة السلفية" وأنصارها ممن لا يطيقون وجود امرأة تحت قبة البرلمان، تجلس معهم وتشاركهم الحديث والنقاش. وقد صرّح قطب سلفي بارز مؤخراً، بأنه في حالة وصوله للبرلمان إذا اقتضت الضرورة وكلف بمهمة رسمية خارج البلد ووجدت ضمن الوفد البرلماني امرأة، فإنه سيرفض السفر. لذلك لم تجد "الحركة السلفية" سلاحاً أفضل من سلاح الفتوى بمنع وصول المرأة إلى البرلمان، فقامت بإحياء فتوى قديمة، ترى أن عضوية البرلمان، ولاية عامة، والمرأة ممنوعة دينياً من الولاية العامة، فمن يدلي بصوته لصالح المرأة المرشحة فإنما يرتكب إثماً وخطيئة! وقد شكل هذا المسلك من قبل الحركة السلفية صدمة في الساحة الكويتية، وأثار ردود أفعال قوية، مستنكرة لهذا التصرف، باعتباره خرقاً لما تم إقراره من قبل البرلمان الكويتي منذ عام 2005 بحق المرأة الكويتية في الانتخاب والترشيح، إضافة إلى أنه من القواعد الشرعية الحاكمة في الفقه الإسلامي، أن من حق ولي الأمر في القضايا الفقهية الخلافية، كقضية الحقوق السياسية للمرأة، أن يرجح الرأي الذي يراه الأوفق والأصلح للمجتمع. وإذا اتخذ ولي الأمر قراره فقد حسم الخلاف، ووجبت طاعته وعدم معارضته، دفعاً للفتنة ودرءاً للفوضى ومنعاً لانتهاك حقوق الآخرين. ثم إن "الحركة السلفية" تتجاهل أن "عضوية البرلمان" ليست من جنس "الولايات العامة" التي تكلم عنها الفقهاء في عصور الاجتهاد الفقهي وذلك لأمرين: الأول أن المجتمعات الإسلامية لم تعرف نظام البرلمان قبل الاتصال بالغرب، فلم يتكلم عنه الفقهاء ضمن "الولايات العامة" التي اقتصرت على 4 ولايات هي "الخلافة" و"الإمارة" و"الوزارة" و"القضاء"، والثاني أن التحليل الفقهي والقانوني لطبيعة العمل البرلماني، وضّح أنها لا تخرج عن وظيفتين: الرقابة والتشريع وهما أمران مشروعان للجنسين. على أن المتوجسين من وجود المرأة تحت قبة البرلمان، لم يكتفوا باستغلال الفتوى لحرمان المرأة من الترشيح، بل عمدوا إلى تشويه صورتها وتجريحها دينياً، إذ رفع بعضهم دعوى قضائية ضد المرشحة الدكتورة "أسيل العوضي" بتهمة التطاول على ثوابت الدين والتشكيك في شرعية الحجاب، ولكن لماذا استهداف "أسيل" بالذات؟ لأنها الأكثر نشاطاً والأقوى حجة وإقناعاً وحظوظها قوية في الفوز، وكانت على مقربة من النجاح في الانتخابات السابقة. لكن الكارهين لوجود المرأة بقاعة عبدالله السالم لا يتورعون عن استخدام أي سلاح ضدها، وهذا يشكل تحدياً كبيراً أمام المرأة للوصول إلى البرلمان، فهي لا تواجه عقبة الموروثات الاجتماعية المتحيزة ضدها فحسب، بل إن الجماعات الدينية لها بالمرصاد، وهذا يضاعف العبء عليها في المعارك الانتخابية ويقلل من فرص نجاحها. لكن لماذا تقف هذه الجماعات موقفاً عدائياً ضد وصول المرأة للبرلمان؟ وماذا يضيرها إذا نجحت المرأة؟ لماذا لا ترى فيها عوناً للإصلاح وسنداً لمحاربة الفساد، مصداقاً للآية الكريمة التي قررت الولاية المتبادلة بين الجنسين "والمؤمنون والمؤمنات، بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"؟ لماذا يحرصون على استجداء صوتها والتكسب به ثم يتنكرون لدورها؟ إن الديمقراطية الكويتية العريقة تعرّضت لانكسارات وتعثرات وخبا إشعاعها وتكاثرت سهام النقد عليها حتى من أبنائها من كبار المدافعين عن الديمقراطية، إذ أصبحت العائق الأول أمام التنمية في الكويت، وكانت عاملا في إحياء وتعزيز النزعات التعصبية والأيديولوجية وتكريس القبلية وتقويتها، وأفرزت نواباً محكومين بتوجهات غير ديمقراطية، اتخذوا من سلاح الاستجوابات أداة لابتزاز الحكومة وتعطيل المشاريع، مما أصاب كافة المصالح والمرافق العامة بالشلل، لقد ساءت الأمور لدرجة أنه أصبح من الصعب الدفاع عن الديمقراطية أو المطالبة بها، ووصلت العلاقة بين المجلس والحكومة إلى حالة التأزم مما دفع أمير الكويت لحل البرلمان مرتين خلال 3 سنوات، تشكلت خلالها 5 حكومات. لقد بلغ اليأس لدى بعض مثقفينا، أن قالوا إن الديمقراطية لا تصلح لنا، لأن جيناتنا نمت وترعرعت على الموروث الاستبدادي. الرهان اليوم كله على الناخب الكويتي، بيده المفاتيح وهو الذي يستطيع أن يرد الاعتبار للديمقراطية الكويتية لتعود إلى بهائها وإشعاعها، الشعب الكويتي في هذه الأيام أمام منعطف خطير والديمقراطية الكويتية في مواجهة امتحان كبير، فهل يختار الكويتيون مجلساً مختلفاً عن المجالس السابقة، يكون معيناً للحكومة أم يستمر مسلسل التأزم والتردي والاحتقان؟ في تصوري أن الناخب الكويتي وعى دروس الإخفاقات السابقة، وعساه يتحرر من طوق القبيلة والطائفة ويتخلص من أغلال الانتماء الأيديولوجي ولا يستسلم للإغراء المادي، إنه صاحب تاريخ ديمقراطي عريق.