مدائح مستمرة دون سأم، كأن المعتاد هو الثناء والخطأ هو الانتقاد وكشف العيوب. وأزعم أن الكم المبالغ به من المدائح قد يثير الشكوك، ذلك لأنه من الطبيعى أن تثار انتقادات، لكن لماذا يخاف البعض من الصحفي الصريح ويحسب ألف حساب للآخر القادر على المواجهة؟ والمؤسف أن البعض يحسب أن الانتقاد أمر يستهدفه شخصياً، وأن كشف الأخطاء يستهدفه بالاسم وليس لكونه صاحب منصب وله مسؤولياته، التي لابد وأن تتعرض للتقييم، وفي بعض حالات إلى النقد. لذلك نجد أن بعض المسؤولين يرفضون الحديث مع الصحافة، بل ويعتبرون أن الحوارات مع الصحافة قد تعرضهم لمشكلات. والحقيقة أن النقد أو كشف السلبيات لا يضر بالأشخاص، بقدر ما يمس مباشرة موقع العمل الذي هو ملك عام لكل المستفيدين من خدماته. الخوف أن يعتقد البعض أن تكريس المديح، وضع قائم، لدرجة أن المقاوم له، من وجهة نظر هؤلاء، شاذ عن قاعدة الثناء، وهذا ما أفرز حالة من التباهي، وغاب عن المنادين بالثناء والتلميع، أن للجمهور آذانه وعيونه وعقله، الذي يرى كل شيء مهما كانت الحقيقة محاطة بصعوبات، بل قد يصل الحد إلى أن يتحول هذا الأمر إلى مثار استغراب ومدعاة لمجابهة الحقيقة بكل قسوتها وحدتها. وإذا كان لابد من تداول علاجات لهذه المشكلة، فإنها تكمن في الوضوح والشفافية، لكن في بعض الأحيان، يعتبر البعض أن الشفافية هي كثير من الأرقام غير الدقيقة، وادعاءات عن نجاحات براقة، قد لا يجدون لها أساسا في الواقع. فمعلومات اليوم متنقلة كأنها غيمة تتجول في سماوات العالم، وليس هناك رقم قابل للاختباء أو حقيقة ممعنة في التواري، هي عقلية من يهوى تطبيق نظرية الوضع القائم، وكأن ليس بالإمكان ابتكار الأفضل والأجدر بالنجاح والتميز. في هذا العصر لا تحتاج إلى مصفقين بقدر ما تحتاج إلى أصحاب مهنية عالية ولديهم شجاعة الاعتراف بالواقع كما هو، وهذا ما يميز الغرب، الذي يتفوق بانتاجيته وتقنيته، ولدى الغربيين ثقافة الاعتراف، التي هي جزء من مكوناتهم الشخصية، وليس لديهم مشكلة الخوف من الحقيقة أو الفشل، وربما حتى في تعاطيهم مع تفاصيلهم اليومية، حيث تلحظ عليهم هذا الرقي وعدم الخوض في ما قاله البعض عنهم من إيجابيات غير متوفرة. البعض يبحث عن علامات الامتياز، لكن سيأتي وقت الاعتراف بالحقيقة، والبحث عن الذين لا يخشون إلا أن يحسب ضدهم أنهم لم يَصدقوا الآخرين القول، والذين يعرفون حق المعرفة أن ليس من عيب في الاعتراف بالسلبيات، وأن من السمات السلبية الهرب نحو شرك المدائح مخافة المواجهة وعلاج المشكلات. هذا الاعتراف مهم للتأسيس لجيل لا يعترف بالمبالغين في كيل المدح ولا يروج لهم، بل يمنح الاعتبار لأصحاب الصدق فقط، والقادرين على التعامل مع الحقائق مهما كانت التبعات، هي مسألة وقت لنعتاد جميعاً على الإصغاء والبحث عن واقع حقيقي تختفى عيوبه.