عادت باكستان لتحتل موقعاً متقدماً في الإعلام العالمي بعد تردي الأوضاع الأمنية فيها، وعودة الحملة القوية للجيش الباكستاني ضد متمردي "طالبان" في وادي سوات. وتأتي الحملة العسكرية الباكستانية بعد لقاء الرئيس الأميركي بالرئيس الباكستاني في واشنطن خلال الأسبوع الماضي، حيث أكدت الإدارة الأميركية على أهمية مواجهة حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة" داخل الأراضي الباكستانية. وترى واشنطن أن حركة "طالبان" الباكستانية أصبحت تهدد المصالح الأميركية في المنطقة خاصة بعد أن راحت تشن هجمات قريبة من العاصمة الباكستانية إسلام آباد. وتأتي خطورة الأوضاع في باكستان بعد "تنازل" الحكومة الباكستانية عن وادي سوات لحكم "طالبان" في فبراير الماضي. وتأتي الخطوة الحالية من جانب الحكومة الباكستانية بعد أن كثف المقاتلون البشتون هجماتهم على منطقة الحدود الشمالية الغربية؛ مما جعل الخيارات المتاحة أمام إسلام آباد محدودة وضيقة للغاية، خصوصاً بعد أن وسعت "طالبان" نفوذها خارج سوات باتجاه إسلام آباد ذاتها، مما دفع بالجيش لمواجهة عسكرية كبيرة ضد المتطرفين الاستشهاديين. وقد أعلن رئيس الوزراء الباكستاني بدء حملة عسكرية، قائلا إنه لن يسمح بأن تصبح بلاده ملجأً للإرهابيين. لقد قررت الحكومة الباكستانية انتهاج هذه السياسة، خاصة أن الرئيس زرداري أعلن دعمه للأهداف الأميركية في باكستان، مشدداً على أن حكومته تتقيد بالشروط التي وضعتها الولايات المتحدة. ويأتي الموقف الباكستاني الجديد بعيد إعلان الإدارة والكونجرس الأميركيين تخصيص أموال إضافية تصل قيمتها 7 مليارات دولار لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في باكستان. لكن الموقف الباكستاني الداعم لواشنطن سيضع إسلام آباد في موقف داخلي حرج، خصوصاً وأن الأجهزة الأمنية اعتادت لسنوات طويلة أن تنظم وتجند "الجهاديين" لاستخدامهم في صراعات باكستان مع الهند وأفغانستان. أما الإشكالية الثانية فهي كيفية التعامل مع قبائل البشتون المنتشرة في المناطق القبلية بالشمال الغربي على الحدود مع أفغانستان. الإدارة الأميركية الجديدة تنسق مع دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" التي لديها قوات كبيرة في أفغانستان من أجل ضمان الاستقرار في كلا البلدين، باكستان وأفغانستان، لكن واشنطن تولي اهتماماً خاصاً بباكستان، لموقعها وأهميتها كأكبر دولة إسلامية بعد إندونيسيا، ولأنها تملك أسلحة نووية يحرص الأميركيون على عدم وقوعها بأيدي الإرهابيين. كما أن القتال في مناطق البشتون في الشمال والبلوش في الجنوب، يهدد طرق الإمدادات العسكرية ويضاعف من الصعوبات التي تواجهها القوات الأميركية والأطلسية لتسوية الأوضاع في أفغانستان. لكن ماذا عن موقف دول الخليج العربية في الصراع الباكستاني مع "طالبان" و"القاعدة"؟ اليوم تقع على دول الخليج مسؤولية كبيرة في دعم الحكومة الباكستانية والسياسة الأميركية في باكستان وأفغانستان، لأن التصدي للإرهابيين في هذين البلدين هو الضمانة الوحيدة لعدم عودة الإرهاب إلى منطقتنا. لقد أصبحت قضية محاربة الإرهاب قضية عالمية، وليكن لنا دور فيها قبل أن يداهمنا هذا الإرهاب في بلداننا.