البرامج التي أعلنتها إدارة السياسات والموارد الطبيعية في "هيئة البيئة" في أبوظبي، مؤخراً، في إطار تطبيقها لاستراتيجية المياه، تنطوي على أهمية بالغة، ليس لكونها تركّز على سياسات ترشيد استخدام الموارد المائية في الإمارة وتحسين نوعيتها، وحسب، وإنما لأنها تتحرّك في أكثر من اتجاه، وعلى أكثر من مستوى من أجل إدارة رشيدة لموارد المياه أيضاً. فهذه الاستراتيجية لا تنطلق من الوضع المائي الراهن وحسب، وإنما تقدّم استشرافاً للمستقبل حتى عام 2030 أيضاً، فهي تقدّم تصوراً شاملاً عن الوضع الحالي لمصادر المياه والطلب عليها والاستخدامات والاحتياجات المستقبلية للمياه في جميع القطاعات التنموية في إمارة أبوظبي. وهذا الجانب ينطوي على قدر كبير من الأهمية، إذ إنه يأخذ في الاعتبار خطط ومشروعات التنمية في الإمارة، سواء في قطاع الزراعة أو الصناعة، أو في القطاع العمراني؛ لأن مواصلة النمو في هذه القطاعات تتطلب توفير حدٍّ أدنى من الموارد المائية. ولهذا فإن هذه الاستراتيجية تتضمن العديد من المشروعات الفرعية، تقدّر بـ50 مشروعاً، تهدف في مجملها إلى تحسين نوعية وكمية المياه في الإمارة، وبما يخدم خطط التنمية المستدامة. كما تأخذ هذه الاستراتيجية بالمنظور الشامل لسياسات ترشيد المياه، فالبرامج التنفيذية المنبثقة عنها تتحرّك في مسارات متوازية من أجل تحقيق هذا الهدف، سواء لجهة إدارة موارد المياه والمحافظة على نوعيتها، أو العمل على تبنّي خيارات غير تقليدية لزيادة إنتاج المياه، وبما يتناسب مع بيئة أبوظبي مثل وضع خطة لزيادة كفاءة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في ري الغابات، واستخدام مياه التحلية الزائدة عن الحاجة في إعادة شحن الخزانات الجوفية لاستخدامها في أوقات الطوارئ. وفي إطار هذه الاستراتيجية أيضاً، اعتمدت "هيئة البيئة في أبوظبي"، مؤخراً، تقنيات جديدة ستسهم في تخفيف معدل استهلاك القطاع السكاني للمياه، حيث ستوزع بالمجان على السكان، وتتمثل في "فلاتر" توضع على مقدمة صنبور المياه، يتوقع لها أن توفر 40% من استهلاك المياه في المنازل. وستعمل "الهيئة" مع الشركاء المعنيين من "هيئة المياه والكهرباء" و"مجلس التخطيط العمراني" على البدء في برنامج إدخال هذه التقنيات لتوفير "الهدر المائي" في القطاع السكاني. ولا شك في أن هذا التطور التقني سيشكّل خطوة مهمّة نحو ترشيد استهلاك المياه، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار العديد من الإحصاءات التي تكشف بجلاء عن تفاقم "أزمة المياه" في أبوظبي نتيجة لسوء الاستخدام، فمعدل استهلاك الفرد اليومي من المياه يقدّر بـ550 لتراً، ويعدّ من أعلى المعدلات العالمية، ويصل الاستهلاك السنوي إلى 800 مليون متر مكعب في السنة. كما يبلغ معدل استهلاك المياه في الإمارة 26 ضعفًا لمستوى الإمدادات المتجدّدة، وتتدهور مستويات ونوعية المياه الجوفية في العديد من المناطق نتيجة السحب العشوائي غير المنظم خاصة للاستخدامات الزراعية ولري الغابات، التي تمثل نحو 58% و18% على التوالي من الاستهلاك الكلي للمياه. وإذا ما استمرت معدلات الاستهلاك الحالية على هذا المستوى، فإن مخزون المياه العذبة ومتوسطة الملوحة في الإمارة سينفد خلال 50 عاماً. هذا وتشكّل المياه الجوفية 71% من كمية المياه المتوافرة في إمارة أبوظبي، فيما تشكّل مياه التحلية 24% ومياه الصرف الصحي المعالجة 5% ويقدر المتوسط السنوي لهطول الأمطار في الإمارة بما يقل عن 100 ملم. ومع أهمية هذه البرامج والسياسات كلها، فإن العمل على ترشيد استهلاك المياه، وتكريس ثقافة الحفاظ على الموارد المائية، والاهتمام بتنمية الشعور بالمسؤولية المجتمعية في التعامل معها، تمثّل مدخلاً جوهرياً في أي استراتيجية متكاملة، لتأمين وتوفير مستقبل مائي أفضل لنا وللأجيال القادمة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية