أعتذر عن الكلمة الواردة بغير "العربية" في بداية عنوان المقال، لكن لها قصة مررت بها شخصياً، وأعتقد أن الكثيرين مروا بها. دُعِيْتُ من قبل إحدى الجهات لتقديم استشارة، وقد سررت لما دخلت المبنى الحديث الذي يشبه أرقى المباني المعمارية، وكم أسعدني النظام الذي يسمح لك بدخول المبنى لأنهم يطبقون أحدث المعايير العالمية في إدارة المباني والشركات. كل هذه الأمور كانت جميلة لأنها عالمية، والأجمل من هذا أن لقائي كان مع أحد المسؤولين الشباب في هذه المؤسسة، وشخصياً أفرح من كل قلبي عندما أجد أن جيل الشباب، قد أُتيحت له فرصة للقيادة ربما لم تكن متاحة لغيرهم في الأزمنة الماضية. دخل هذا المدير المواطن غرفة الاجتماعات، ومعه عدد من العرب، وقد جهزت الغرفة بأرقى التكنولوجيا المتاحة للمكاتب. وبعد الترحيب، تكلم المدير يخيرني بين أن يقدم لي العرض باللغة العربية أو الإنجليزية أو "يمكس"، كما قال. أخذت فترة كي استوعب كلمة "يمكس"، هذه إلى أن فهمت أنها مشتقة من اللغة الإنجليزية كلمة "مكس"، وتعني الخلط، بالرغم من أن كل الحضور من العرب، فإن المدير قال بالحرف الواحد (الأفضل لي أن "أمكس")، ثم اعتذر بقوله لأنني تعلمت كذلك، يعني "يمكس" من التعليم إلى الوظيفة. و"مكس" هذا حيث يتكلم بـ"العربية" ويخلطها بـ"الإنجليزية" بلغة أخرى بين كل كلمتين عربيتين هناك كلمة أجنبية، وفي بعض الأوقات بين كلماته الإنجليزية هناك كلمة عربية، لم أنتبه كثيراً للعرض؛ لأنني شغلت بأحوال هذا النمط من المديرين، الذين أصبحوا يمثلون واقعاً في العديد من مؤسسات الدولة، فهم "يمكسون" في لغتهم وحياتهم. وبما أن الناس على نهج مديريهم، نجد في الاجتماعات التي تجرى في هذه المؤسسات أن الكل "يمكس"، حتى من لم يدرس في أوروبا والولايات المتحدة من باب (وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم). السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو المستقبل في ظل "التمكيس" المطلق؟ وإلى متى نناقض أنفسنا بين هوية نعتز بها ونؤمن أنها أصلنا الذي لن نتنازل عنه وبين واقع تعليمي ومهني فرض أهله علينا "التمكيس"؟ أهو تناقض بين أكثر من هوية أو صراع بين ثقافة نؤمن به، لكننا في واقعنا نريد أن نتبرأ منه؟ ولولا تعليمات القيادة الرشيدة في أن "العربية" هي لغة الدولة، وينبغي أن تكون كذلك، لتمنى هؤلاء أن تنتهي "العربية" من حياتهم، لا لسبب إلا لإعجاب بلغة وفكر نعتقد أنهما سر تقدم غيرنا. وحقيقة البعد الحضاري الملموس والمعروف أنه لن تتقدم أمة بغير هويتها ولغتها، وبالرغم من أن القوانين تفرض أموراً، فإن واقع بعض المسؤولين يقول لنا غير هذا: فما العمل؟ العديد من التصرفات ينبغي أن يُعاد النظر فيها، فنفرق بين رغبات الشخص كإنسان له حرية القرار وبين الوظيفة والمنصب الذي يشغله، وهنا أذكر التجربة الفرنسية، ولي أصدقاء فرنسيون يتقنون "الإنجليزية"، ويتحدثون بها معي خارج عملهم، وبمجرد أن ندخل بيئة العمل الحكومي يؤتى بمترجم للعربية؛ لأن هذا المسؤول تجبره القوانين على الحديث بـ"الفرنسية"، هذا ما أسميه التفريق بين الرغبات والقانون الذي ينبغي أن يحترم. الأمر الآخر لا بد من التصدي لحالة الإهمال التي تعاني منها اللغة العربية في بعض مؤسسات التعليم العالي؛ لأن هذه المؤسسات هي التي تصنع هذه العناصر. وختاماً أقول إنْ "تمكّسنا"، فإننا سننتكس، ولن نتطور إلا إذا تمسكنا بلغتنا وهويتنا واستفدنا مما لدى غيرنا.