عندما تدخّلت الحكومة الإماراتية، في مارس من العام الماضي، لإقرار اللغة العربية لغة رسميّة في جميع المؤسسات والهيئات الاتحادية في إمارات الدولة المختلفة، فقد كان ذلك تعبيراً عن حرص القيادة على تمكين اللغة الأم التي تحمل مخزوننا الثقافي والحضاري وتمثّل ركناً أساسياً من أركان الهُوية الوطنية، وترجمة للقلق تجاه الأخطار التي تتعرّض لها في ظل انتشار اللغات واللهجات الأخرى على حسابها. في إطار أي رؤية شاملة ومتكاملة لتمكين اللغة العربية، فإن هناك العديد من الآليات والجهات التي من المهمّ أن تقدّم مساهماتها في تحقيق هذا الهدف، ومن أهم هذه الجهات مؤسسات التعليم، خاصة في المراحل الأولية، التي عليها مسؤولية كبرى في جذب النشء إلى اللغة العربية من ناحية وتأكيد وجودها من ناحية أخرى. وفي هذا السياق تجيء أهمية البرنامج الذي قامت وحدة المتطلبات الجامعية، قسم اللغة العربية، في جامعة الإمارات العربية المتحدة بإنجازه، مؤخراً، الذي يقيس "الكفاءة اللغوية" في مهارات القراءة والكتابة والاستماع والمحادثة باللغة العربية الفصحى لدى الناطقين بها من خلال معايير دقيقة، وذلك للمرة الأولى في تاريخ اللغة العربية. ولعل أهم ما يميّز هذا البرنامج أنه ليس مجرد اختبار لغويّ وإنما يتّسم بالشمول والتكامل، حيث يشمل كتاباً يقدّم اللغة العربية بشكل ميسّر يمكن استيعابه، فضلا عن التدريبات والأمثلة اللغوية الحية والدورات المتخصّصة في رفع المهارات اللغوية الرئيسية. ومن خلال التعاون مع "مجلس أبوظبي للتعليم"، يتمّ تطبيق البرنامج على المعلمين الذين يدرّسون باللغة العربية في مرحلة التعليم الأساسي وفق مراحل مختلفة، وذلك لاختبار قدراتهم اللغوية من جانب والعمل على تنميتها من جانب آخر، وهذا له أهميته الكبرى في تكريس موقع اللغة العربية وتأكيدها في المجتمع، لأن مرحلة التعليم الأساسي هي المرحلة التي يتمّ فيها وضع الأسس الحقيقية للتكوين القيمي واللغوي للنشء، ولذلك فإنه من الضروري، في إطار الاهتمام باللغة العربية، أن يكون معلمو هذه المرحلة على كفاءة لغوية عالية تمكّنهم من جذب الطلبة إلى لغتهم الأم من ناحية وتدريسها بأسلوب سهل ومبسط من ناحية أخرى. تشير الجهات الدولية المتخصصة، وفي مقدمتها منظمة "اليونسكو"، إلى أن لغات كثيرة في العالم معرّضة للاندثار والانقراض لأسباب مختلفة، ووفقاً لعلماء اللغات المتخصّصين في العالم فإن نصف اللغات التي يتحدّثها الناس على المستوى العالمي، وتصل إلى نحو 7000 لغة، أصبحت تواجه خطر الانقراض، وإن واحدة من اللغات تختفي كل أسبوعين تقريباً. وهذه التقديرات والتوقّعات تشير إلى مدى الخطر الذي يستهدف اللغة العربية وبالتالي ضرورة الاهتمام بها وحمايتها من التهميش. ويبدو الأمر في دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر بروزاً بالنظر إلى انفتاح الدولة وتعدّد اللغات واللهجات الأجنبية المستخدمة فيها بشكل كبير ارتباطاً بتعدّد الأجناس من الشرق والغرب، ولهذا فإن استشعار الخطر على اللغة الأم أصبح قوياً، ومن هنا يجيء اهتمام الدولة بتمكينها ومقاومة كل مظاهر تهميشها أو تشويهها، حيث يعتبر أي جهد يصبّ في هذا الاتجاه أمراً إيجابياً يستحقّ التشجيع، وخطوة إضافية نحو تمكين اللغة العربية، باعتبار ذلك هدفاً مركزياً متجدّداً لا مناص عنه، باعتبار اللغة الأم مظهراً حيوياً من مظاهر الهوية الوطنية، وانطلاقاً من أن "من لا هوية له لا وجود له في الحاضر، ولا مكان له في المستقبل"، كما أكّد صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- في كلمته بمناسبة الذكرى السادسة والثلاثين لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.