لا جديد في التعليم فكل شيء على ما هو عليه وعلى ما كان، فملاحظات الماضي تتكرر بمضامينها السابقة وإن تغيرت في أشكالها الجديدة. والتعليم في قفص اتهام الجميع داخل الميدان التربوي وخارجه. ومنذ أيام عقدت منظمة "القيادات العربية الشابة" مؤتمرها السنوي الرابع يومي الجمعة والسبت الماضيين في بيروت، وشارك في المؤتمر أكثر من ثلاثمائة من القيادات العربية الشابة، وتناولت جلساته العديد من القضايا، لكن كان من الواضح أن مسألة التعليم شغلت أغلب الجلسات وورش العمل، وتبين من جديد أن مخرجات التعليم في العالم العربي ما تزال متواضعة وغير مقنعة للجميع ولا تلبي طموحات المجتمعات العربية... كذلك اتضح أن التعليم العربي هو الذي يقف في طريق خلق القيادات الشابة في الدول العربية. لقد بحث القادة الشباب في مؤتمرهم طرق خلق قيادات شابة جديدة وقد رأى بعضهم أن للسمات الشخصية دورا في خلق القائد، ورأى آخرون أن للتربية في المنزل دورا في خلق قائد متميز، لكنهم اتفقوا جميعاً على أنه من الممكن صناعة قادة أكثر من خلال المدارس، فطلبة المدارس يمكن أن يكونوا قادة، والمعلم هو أقدر إنسان على إضافة أعداد جديدة إلى قائمة القيادات العربية وإلى صفوف المتميزين في العالم العربي.. "ها هو المعلم يظهر لنا من جديد وفي دور مهم أيضاً"! مَن غير المعلم يستطيع أن يخلق جيلا من المبدعين؟ ومَن غيره يستطيع أن يغرس في الطالب روح القيادة والتميز؟.. ومن غيره يستطيع أن يفعل العكس؟ في حواره الصحفي مع جريدة "الرؤية الاقتصادية"، اعتبر الدكتور جمال سند السويدي مدير عام "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" الذي يعتبر واحداً من أهم مراكز الدراسات والبحوث في المنطقة العربية، أن التعليم في منطقة الخليج بمثابة مفتاح التنمية المعاصرة، وعن مشكلات التعليم قال: "الأمر يحتاج إلى استراتيجية، ولابد أن يبدأ التطوير بالمدرس وليس الطالب". هذا الكلام مهم جداً ويختصر ويلخص الكثير مما يمكن قوله في مسألة التعليم، ويبدو أن التعليم والمعلم سيبقيان مثار اهتمام وجدل إلى الأبد، فعليهما تعلق الآمال وإليهما توجه أصابع الاتهام... وفي كل الحالات فمن الواضح أن ما هو مطلوب من التعليم ومن المعلم صار معروفاً. لكن في المقابل، من الواضح أننا لا نعرف ما الذي يريده المعلم، وأننا لا نعطي التعليم مكانته ولا نعطي المعلم حقه، لذا أخشى أن لا يتحقق ما نريده من التعليم، وأن تبقى توقعاتنا من المعلم أحلاماً بعيدة المنال. في الإمارات على سبيل المثال، هموم التعليم والمعلمين لم تنته، والتجارب التي تعرض لها قطاع التعليم مستمرة ولا تتوقف، ففي كل بضع سنوات نطبق تجربة جديدة لا علاقة لها بسابقتها. ونبدأ من جديد من عام إلى آخر والطلبة هم حقل التجارب الذي لا يقول "لا"... أما المعلمون فهم دائماً في قفص الاتهام لأنهم "ضعفاء... ولا يمتلكون المهارات... ولا يطورون من ذواتهم... ولا يواكبون التطور والتغيير، بل يقاومونه، لذا لابد من التخلص منهم". لكن من أين نحصل على البديل وعلى المعلم المثالي؟ يبدو أنه لا يوجد بديل، ونعود إلى الحلقة المفرغة والدائرة المغلقة. أما إذا أردنا أن نعرف الضحية "في عرس التعليم العربي"، فبكل بساطة نقول إنه الطالب الذي يدفع الثمن، ثم يُتهم بأنه من جيل فاشل ومن جيل لا يريد أن يتعب من أجل نفسه وأنه من جيل بلا طموح وبلا هدف!.. وينسى من يصف هذا الجيل بهذه الصفات وغيرها أن هذا الجيل نتيجة طبيعية لما صنعته أيدينا. التعليم هو الأساس وهو الذي يحتاج جهداً مستمراً من الجميع، فقد كان الإنسان وسيبقى هو الثروة الحقيقية التي يجب الاستثمار فيها. إن ضعف التعليم يؤثر سلباً على مستقبل أي بلد ويهدد ثروته البشرية... وإذا أردنا أن نطور التعليم فيجب أن نتفق على أن التعليم ليس شأن وزارة التربية والتعليم فقط، فهي جهة منفذة ومتابعة ومراقبة لخطط التعليم، أما التعليم ذاته فيجب أن يكون نابعاً من التوجهات العليا للدولة وضمن استراتيجية طويلة الأمد لأية حكومة حتى لا تمسه يد التغيير والتبديل. نعود لمحور الشباب المتميز ونتساءل: ألا يوجد لدينا مبدعون عرب، شباب وشابات، متميزون، أم أننا لا نراهم، أم أننا لا نريدهم أن يظهروا؟ هل يعقل أن كل الدول العربية التي يبلغ مجموع عدد سكانها أكثر من 300 مليون فرد، ليس فيها العدد الكافي من المبدعين والمتميزين الذين يمكن أن يكونوا قادة ناجحين؟ وهل يعقل أن العالم العربي الذي يشهد أعلى نمو سكاني في العالم حيث يبلغ 2.4 في المائة، والذي من المتوقع أن يصل عدد سكانه في عام 2025 ميلادية نحو 500 مليون نسمة، فقير في عدد المبدعين والمتميزين والقادة في مختلف المجالات؟! الهند التي هي دولة واحدة، تمتلك عقولا منتشرة في كل دول العالم، والصين أيضاً صارت من الدول التي أنتجت أجيالا من الشباب المتميز وصدرت أعداداً كبيرة منهم إلى الخارج، رغم أنها كانت قبل سنوات قليلة فقيرة في نسبة المتميزين والقادة... صحيح أن للوضع الديموغرافي وعدد السكان في هذه الدول دورا في ذلك، لكن عدد العرب ليس بقليل وما يميز العرب عن غيرهم أن أكثر من ستين بالمائة منهم هم من الشباب دون سن الخامسة والعشرين. والسؤال: ما هو مصير هؤلاء الشباب؟ وما هو قدرهم وقد أثبتت التجارب أنه عندما تتاح لهم الفرصة كاملة يظهروا دائماً أنهم ليسوا أقل شأنا من غيرهم من شباب العالم؟! أخيراً يجب أن لا نتجاهل ظاهرة عربية مهمة، وهي أنه عندما يخرج الإنسان العربي من بلده يتميز ويبدع ويصبح شخصاً يشار إليه بالبنان، وغالباً ما يرجع العربي الذي يعيش في الدول الغربية إلى بلده متسلحاً، ليس بالعلم فقط، بل وحتى بالشخصية القوية والخبرة التي تجعله قيادياً بارزاً بين أقرانه، بل وحتى بين من هم أكثر منه خبرة وأكبر منه عمراً... فما الذي يحدث للعربي عندما يغادر وطنه؟ ولماذا لا يظل نفس الشخص المتميز إذا ما عاد إلى أرض بلده وأهله؟