كان أحد ممثلي السلطات الصحية الأميركية الفيدرالية على الهاتف يوضح أن صبياً عمره 10 سنوات أصيب بسلالة غير معروفة من فيروس إنفلوانزا الخنازير. وبينما كانت الدكتورة "ميتشيل جينسبرج" تستمع لما يقوله المسؤول، عادت بها الذاكرة إلى تلك الأيام التي لم يكن فيها فيروس الإيدز قد عُرف بعد، عندما كان الناس يترددون على أقسام الطوارئ في مستشفيات كاليفورنيا وهم يشكون نوعاً غامضاً من الالتهاب الرئوي. عقب انتهاء المحادثة الهاتفية بدأت الدكتورة "ميتشيل" رئيسة قسم الأمراض الوبائية في مقاطعة سان دييجو، التفتيش في السجلات عن الوفيات غير العادية التي أبلغ عنها يوم 16 إبريل، بحثاً عن حالة مماثلة لحالة الصبي لكنها لم تكتشف شيئا. أوعزت د.ميتشيل لمكتبها للاتصال بأم الصبي لمعرفة ما إذا كان قد اقترب من الخنازير أو الحيوانات التي يمكن أن تنقل الإنفلوانزا للبشر، فأجابت أم الصبي بالنفي، لكنها أفادت أن شقيقه كان يعاني من الحمى والسعال قبل ذلك التاريخ بأسبوعين، وعندما عرفت ذلك كتبت ميتشيل في سجلها: "هذا شيء متوقع!". هذا الفيروس الذي انتقل بين الصبيين، وصل الآن 21 ولاية أميركية، وأصاب أزيد من 700 شخص في كافة أنحاء العالم ، وأدى إلى 115 حالة وفاة معظمها في المكسيك. وبينما كانت تتكشف تفاصيل قصة الصبي المصاب بالفيروس في أميركا، كانت هناك خيوط قصة مشابهة في تفاصيلها العامة تتكشف في المكسيك. ففي هذه الدولة ظهر مرض تنفسي غريب ظل مستمراً حوالي شهر تقريباً. وفي الثالث عشر من إبريل المنصرم توفي أول شخص مصاب. كان امرأة في الـ39 من العمر، تدعى "أديلا جيوتايريز" وتعمل في أحد مراكز الإحصاء بمدينة "أواكساكا". عندما وصلت تلك المرأة إلى المستشفى قبل وفاتها بأربعة أيام، كانت تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة مما جعل الأطباء يشتبهون في إصابتها بفيروس "السارز"، وقاموا بناءً على ذلك بحجزها في العزل الصحي بعد أن أثبتت التحاليل إصابتها بالفيروس المسمى "كورونا" الذي ينتمي إلى مجموعة فيروسية تتسبب في التهابات الجهاز التنفسي للبشر، وهي نفس المجموعة التي ينتمي إليها فيروس السارز. وعندما أجري تحليل آخر لتلك المرأة، جاءت النتيجة سلبية لكن ذلك التحليل أثبت أنها مصابة بإنفلوانزا من النوع "أ". لم يكن الأطباء المكسيكيون مزودين بإمكانيات تتيح لهم التعرف على الفيروس الذي أدى إلى وفاة المرأة، ولذلك قامت الدكتورة "سيليا البوتشي أراندا"، رئيسة مختبر المايكرو بيولوجي الوطني المكسيكي، بإرسال رسالة إلكترونية إلى الدكتور "فرانك بلامر"، خبير الأمراض المعدية في وكالة الصحة العامة في "وينايبيرج" بكندا، أعلمته من خلالها بانتشار أمراض تنفسية غير معروفة في عدة مدن مكسيكية. عندما أرسلت الدكتورة "سيليا" رسالتها إلى الدكتور "بلامر"، ظن هو أيضاً أن الفيروس الذي أدى إلى وفاة المرأة ربما يكون فيروس" السارز"، وبناءً عليه خاطبها طالباً منها إرسال 53 عينة، تتضمن عينة مأخوذة من المرأة المتوفاة و30 عينة مأخوذة من قرية "لا جلوريا" التابعة لولاية "فيراكروز" الواقعة في جنوب المكسيك التي كان عشرات من سكانها قد أصيبوا بمرض تنفسي خلال الشهر السابق. غير أن السلطات الصحية هناك شخصت تلك الحالات على أنها نتيجة لانتشار زائد عن الحد لفيروس الإنفلوانزا العادية. وعندما وصلت العينات أخذها الدكتور "بلامر" إلى مختبره الخاص لتحليلها. حتى الثاني عشر من إبريل، لم يكن قد تم تسجيل حالات لانتشار المرض في المكسيك في سجلات الأجهزة الصحية الأميركية. بعد ذلك التاريخ بثمانية أيام، افترضت مراكز رصد الأمراض (CDC) في الولايات المتحدة للمرة الأولى أن الفيروس الجديد ربما يكون مرتبطاً بالحالات الموجودة في المكسيك. وفي الثالث والعشرين، وصلت نتائج مختبر الدكتور بلامر لتثبت أن الفيروس "السارز" وأن 17 عينة من العينات الـ53 كانت متطابقة تقريباً مع الفيروس المكتشف في الولايات المتحدة. في ذلك اليوم ظهر وزير الصحة المكسيكي على شاشة التلفاز كي يعلن وجود المرض، وليأمر بأغلاق المدارس في "مكسيكو سيتي" وفي ولاية "مكسيكو" المجاورة. وحالياً تقوم الولايات المتحدة بحشد مزيد من العلماء لإجراء دراسات على الفيروس الجديد. وسوف يقوم مختبر "رالف ترايبي" في جامعة جورجيا، بإنشاء مزرعة للفيروس في بويضات وخلايا كلوية كلبية، استعداداً لإجراء تجارب هدفها معرفة مدى السهولة التي ينتشر بها هذا الفيروس بين الحيوانات. وفي نفس الوقت يقوم خبراء الأوبئة في جامعة كاليفورنيا الجنوبية بإجراء مقابلات وأخذ عينات من مئات من الأشخاص المشتبه في إصابتهم بفيروس "إتش 1 إن 1"، أو يتعاملون مع أشخاص مصابين بهذا المرض. وهم يحاولون تكوين صورة عن نطاق وكيفية انتقال المرض من إنسان لإنسان، وهو الهاجس الذي أطلق أجراس الإنذار في البداية في عقل الدكتورة "ميتشيل". حتى الآن لا تعرف "ميتشيل" ما إذا كان الصبي ذو الأعوام العشرة قد نقل الفيروس لأفراد آخرين من عائلته أم لا، وهو ما يتبين من قولها: "أعتقد أن ما نقوم به حالياً لا يزيد عن كونه مجرد محاولة للتعرف على عدد محدود من الناس الذين أصيبوا بالمرض... ونحن نتعلم شيئاً جديدا كل يوم". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جيا-روي تشونج آلان زاريمبو كاتبان متخصصان في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"