إن أيّ متابع أو مراقب موضوعيّ لسياسة دولة الإمارات في ملفّ العمالة الأجنبية، لا بدّ أنه سيرى في المبادرات الأخيرة نقلة نوعية كبرى تؤكّد الرؤية الحضارية في التعامل مع هذا الملفّ. ففي أثناء الفترة الماضية تمّ إعلان العديد من الخطوات والمبادرات المهمّة التي تستهدف وضع التدابير الكافية لحماية حقوق العمالة وتوفير ظروف مهنيّة ومعيشيّة ووظيفيّة مناسبة لهم. أولى المبادرات التي أطلقتها وزارة العمل في هذا الشأن هي خدمة "راتبي" التي تتيح للعامل الشكوى لدى وزارة العمل إذا تأخّر راتبه أو تعرّض للانقطاع، وذلك من خلال الموقع الإلكتروني أو عبر الهاتف، باللغة التي يريدها. أهمّ ما في هذه المبادرة أنها تزيل الخوف من الشكوى الذي يمكن أن يكون لدى بعضهم، من خلال تأكيدها سرّية أي شكوى وعدم الكشف عن هوية مقدّمها سوى للمعنيّ بالتحقيق فيها تفادياً لأي ضرر يمكن أن يتعرّض له العامل أو أيّ توتر بينه وبين صاحب العمل. المبادرة الثانية التي أطلقتها الوزارة هي مبادرة "التحويلات الإلكترونية"، التي تلزم جهات العمل تحويل رواتب العمال فيها إلى حساباتهم في البنوك تحت إشراف "البنك المركزيّ"، وذلك ضماناً لالتزام هذه الجهات دفع الرواتب في الوقت المناسب دون أي تأخير، ومراقبة أي تغيير قد يطرأ على الراتب لغير مصلحة العامل. المبادرة الثالثة هي السماح للعمال الذين يفقدون أعمالهم بالبقاء في الدولة فترة معيّنة للبحث عن عمل آخر وتخفيض رسوم الكفالة المفروضة على نقل كفالتهم. وهذه المبادرة تنطوي على مرونة كبرى تعكس حسّاً إنسانيّاً عميقاً من الدولة في التعامل مع العمالة. المبادرة الرابعة تتعلّق بقرار "اللجنة العليا لإدارة الأزمات العمالية" على مستوى الدولة إنشاء مأوى للعمال الذين يفقدون وظائفهم في الشركات التي يعملون فيها أو المخالفين الذين لا تتوافر لهم مساكن مناسبة. يضاف إلى ما سبق ما أعلنته وزارة العمل، مؤخراً، من أنه جارٍ العمل، حالياً، على وضع معايير جديدة ذات سمات عالمية فيما يتعلّق بسكن العمال، وأن توفير القطاع الخاص للعمال فيه سكناً تتوافر فيه كل اشتراطات الصحة والسلامة هو خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو تجاهله، فضلا عن اشتراطات السلامة المهنيّة في مواقع العمل، كما يجري العمل على إصدار مشروع متكامل بشأن انتقال تصاريح العمل الداخلية للمنشآت، يحمي العمال، ويترك لهم حرية الانتقال. هذه الخطوات المتتالية فيما يتعلّق بملفّ العمالة، تعني أن الدولة تضع هذا الملفّ في محور اهتمامها، وتتعامل مع بعض التجاوزات فيه بجدية كبيرة، خاصة أن هذه التجاوزات لا تعبّر عن سياسة دولة الإمارات ولا تتّفق مع مبادئها. ولا شك في أن التحرّك في مواجهة بعض المشكلات التي كانت تنتج مظاهر التوتر والاضطراب في قضية العمالة خلال الفترة الماضية، قد حقّق نجاحاً ملحوظاً يعبّر عن نفسه في حالة الهدوء والاستقرار التي تشهدها بيئة العمل وطيّ صفحة الاضطرابات والإضرابات العمالية تماماً، وهذا يحسب لكل الجهات المعنيّة بالتعامل مع هذه القضية، وينطوي على دلالة ذات أهمية كبرى، هي أن أي مشكلة قابلة للحلّ طالما توافرت في مواجهتها رؤية واضحة وسياسات فاعلة تستند إلى تخطيط سليم. ــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.