تعرّضت التجربة الديمقراطية في الكويت للنقد والتجريح من الداخل ومن الخارج، أمر طبيعي ومطلوب... لكن معظم الذين ينتقدون هذه التجربة الوليدة يركزون على استعراض الظاهرة دون الغوص في أعماق المشكلة ومحاولة إيجاد طريقة أو أسلوب لتفادي ما يعترض التجربة من سلبيات من خلال تحليل الواقع ومحاولة تغييره. في مقابلة صحفية أجرتها صحيفة "القبس" يوم الخميس 30 إبريل مع عبدالرحمن الراشد مدير عام قناة "العربية" الفضائية، ذكر بالحرف الواحد: "بكل أسف نعم، صارت الديمقراطية الكويتية مبعثاً للسخرية بعد أن كانت مثار حسد واحترام"، وأكد بأن الديمقراطية الكويتية عرجاء وفزاعة لتخويف الناس. يحق لإخوتنا في الخليج انتقاد تجربتنا المتواضعة مع الديمقراطية... فهم حريصون مثلنا على نجاحها. ما نود قوله لإخوتنا في الخليج هو أننا نواجه مخاضاً ديمقراطياً عسيراً بسبب سوء الممارسات غير الديمقراطية التي يمارسها البعض لقلة تجربته مع الديمقراطية، ولتأثير العصبيات القبلية والطائفية والعشائرية عليه، كما أن السلطتين التنفيذية والتشريعية لم تلتزما بمبدأ فصل السلطات، فهنالك تدخلات إدارية من قبل السلطة لمساعدة بعض المرشحين، كما أن السلطة التشريعية تجاوزت صلاحياتها بتدخل نواب المجلس في صلاحيات الوزراء. هناك أسباب كثيرة لتعثر الديمقراطية الكويتية؛ أهمها ضعف ثقافة المجتمع... فالتضامن الاجتماعي، رغم الشعارات القومية والإسلامية الشمولية، يقع ضمن الروابط العشائرية والعائلية. التضامن الاجتماعي في مجتمعنا ليس الإخلاص لرابطة عامة هي مجموع الأفراد الذين يعيشون في المجتمع، كما يفترض أن يكون عليه الأمر. هنالك أسباب تاريخية وجذور لأزمة الديمقراطية في بلادنا، وهي أسباب متشعبة في واقعنا الاجتماعي... فعلى مستوى الكويت يمكن القول إنه لا ديمقراطية حين تكون الدولة كل شيء والمجتمع لاشيء. التجربة الديمقراطية في الكويت، رغم كل سلبياتها، إلا أن إيجابياتها أكثر... فلدينا دستور ليبرالي -مدني نفتخر به، وقضاء عادل، ومنظمات حقوق إنسان، وصحافة وإعلام حر يندر أن ترى مثله في الوطن العربي الكبير. كما أن المرأة الكويتية حققت إنجازاً كبيراً بحصولها على حقوقها السياسية، فدخولها في الانتخابات الأخيرة إنجاز كبير رغم فشلها في نيل صوت أختها المرأة والذي ذهب لصالح الرجل.. لقد خذلت المرأة شقيقتها المرأة، كما خذلت التيار الليبرالي الذي يدعمها ويقف بجانبها في انتخابات عام 2006 ثم في انتخابات 2008... لكن هناك أملا كبيرا في أن تصل أكثر من امرأة إلى قبة البرلمان. الحكومة لم تعمق المفهوم الديمقراطي في التربية الاجتماعية، سواء في المدرسة أو في المجتمع. كما أن الأهالي لم يرسخوا مفاهيم الديمقراطية في أذهان أبنائهم، فلا تزال ثقافتنا السائدة تؤكد على الاستبداد والانفراد والتسلط. فهمنا الخاطئ للديمقراطية دفعنا للتصور بأن الديمقراطية تعني فقط وجود دستور وبرلمان وصحافة حرة وانتخابات. لكي تترسخ الديمقراطية نحتاج إلى تغير جذري للبنية الاجتماعية والاقتصادية، فما هو موجود لن يرسخ الديمقراطية، فكيف يمكن ترسيخ الديمقراطية في دولة ريعية لا يساهم المواطن فيها مساهمة حقيقية كدافع للضرائب... فإذا لم يوجد نظام ضرائبي فلن تكون هناك مشاركة حقيقية في إدارة الدولة من قبل الشعب. إنه في غياب وجود حركات سياسية فعالة تؤمن بالديمقراطية، لن تتحقق هذه الديمقراطية، فما هو موجود في الكويت من حركات سياسية، إسلامية أو قومية، ذات طبيعة استبدادية لا تؤمن بالديمقراطية أصلا، لكنها تستغلها لدغدغة مشاعر الجماهير وخداعهم للوصول إلى السلطة... كيف يمكن أن تتعزز الديمقراطية في مجتمع لا يزال الولاء القبلي والطائفي فيه أقوى من الولاء للدولة؟! د. شملان يوسف العيسى