تواجه الكويت في تجربتها الديمقراطية الحديثة عدة تحديات تستحق الدراسة والتأمل لتفادي السلبيات على المستوى المحلي وعلى المستوى الإقليمي أيضاً حيث تحاول دول الخليج العربية الاستفادة من التجربة الكويتية الرائدة في مجال العمل الديمقراطي والتي حققت إنجازات كبيرة في مجال حرية التعبير والعمل المؤسسي. لكن هذه التجربة الوليدة تواجه عدة تحديات أهمها كيفية ترسيخ مفهوم المواطنة والهوية الوطنية في ظل تنامي الظواهر السلبية؛ كالولاء القبلي والطائفي والعائلي... على حساب الولاء الوطني. لقد واجهت التجربة الكويتية مع الديمقراطية وممارستها عثرات كثيرة، ما دفع بأمير البلاد إلى حل مجلس الأمة والدعوة لانتخابات نيابية في 16 مايو المقبل. ورغم مطالبة الأمير للناخبين إعانته في حسن اختيار ممثلي الأمة الذين يصونون مصلحة الكويت حاضراً ومستقبلا، وأن يتجاوزوا من أجلها المصالح الضيقة، وأن يحرص الجميع على الوحدة الوطنية التي سيؤدي انفراطها إلى الانهيار. ورغم كل التحذيرات الصادرة عن قيادة البلاد، فالحقيقة المرة هي العودة مرة أخرى إلى الممارسات الخاطئة التي لا تمت للديمقراطية بصلة في الحملات الانتخابية للمجلس المقبل... ورغم حقيقة أن باب الترشيح للانتخابات لم يفتح إلى الآن إلا أن المرشحين من كل فئات المجتمع أعلنوا عن رغبتهم بالترشح، وهذا أمر طبيعي وعادي، لكن الأمر المؤسف والمخجل هو تسارع وتكالب أبناء القبائل على إجراء الانتخابات الفرعية بينهم رغم أن هناك قانونا يمنع إجراء هذه الانتخابات ويحرمها. الانتخابات الفرعية غير القانونية هذا العام أظهرت الخلافات الداخلية بين أبناء القبائل التي تنوي إجراء تلك الانتخابات لتنظيم تصفيات بين مرشحيها. ويدور الخلاف داخل كل قبيلة حول الشروط التي وضعتها أفخاذها وفروعها لتحديد عدد معين من المقاعد النيابية لها في الانتخابات المقبلة. كما أن هناك خلافات حول اختيار أعضاء اللجان التنسيقية للقبائل، وطريقة تنظيم الانتخابات الفرعية، وتحديد مواقع ومواعيد إجرائها، إضافة إلى مطالبة العوائل والأفخاذ الكبيرة داخل القبيلة بـ"كوتا" محددة تبين عدد المقاعد التي ستحصل عليها دون غيرها من باقي مكونات القبيلة. الجهات الأمنية من جانبها تعمل لرصد أي خروقات لقوانين الانتخابات في محاولة لمنعها وإيصال المخالفين للقضاء. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا عادت المفاهيم القبلية للكويت بعد مرور حوالي نصف قرن من الممارسة الديمقراطية؟ هناك أسباب كثيرة أدت إلى عودة المفاهيم القبلية في ظل النظام الديمقراطي؛ أهمها فشل الدولة في تحديث المجتمع وتحويله من مجتمع تقليدي محافظ إلى مجتمع حديث، فالفشل في تحديد هوية الدولة هل هي دولة تقليدية أو حديثة، وهل هي دولة مدنية أم دينية، وهل هي دولة قبلية أم دستورية... أفرغ كل هذه التناقضات في المجتمع الكويتي، مما عزز بروز الولاءات الجانبية على حساب الولاء للدولة. لكن ليس من العدل والانصاف لوم الحكومة أو النظام الرسمي لوحده، ذلك أن التنظيمات والمؤسسات غير الرسمية، من مؤسسات مجتمع مدني، وتيارات وأحزاب وحركات سياسية، فشلت هي أيضاً في إحداث تغيير جذري لصالح النظام الدستوري ودولة القانون والمؤسسات. ويعود سبب ذلك إلى غياب القاسم المشترك بينها. فكيف يمكن إقناع "الإخوان المسلمين" والحركة السلفية أو المتدينين من الشيعة، بأن دولة القانون والدستور يجب الحفاظ عليها؟! وأخيراً نرى أن مفهوم الدولة الريعية في الكويت، والخليج عامة، قد أعاق ظهور تنظيمات أهلية سياسية مستقلة عن الدولة تنشد الإصلاح الديمقراطي. ومهما كانت التجربة الديمقراطية في الكويت سلبية، في العديد من مظاهرها، فإنها تبقى أفضل تجربة ديمقراطية على مستوى الخليج والوطن العربي. د. شملان العيسى