قرار وزارة الصحّة الأخير بحظر الترخيص لبنوك الدم الخاصّة والمنشآت الصحيّة غير الحكوميّة بـ"جمع الدم أو الاتّجار فيه بغرض تحقيق ربح، أو التعامل مع متبرّعي الدّم، وحظر استيراد الدّم ومكوّناته الرئيسيّة، وأيّ مكونات تحوي خلايا دمويّة أو سائل بلازما الدم البشري من خارج الدولة"، قرار صحيّ مهمّ من شأنه القضاء على أيّ تلاعب محتمل بصحّة المواطنين والمقيمين، باعتبارها خطاً أحمر لا يجوز المتاجرة فيها أو التلاعب بها من جانب البعض. أحد جوانب أهميّة هذا القرار يكمن في كونه ذا طابع صحيّ وقائيّ، يتحسّب لاحتمال أن يكون الدّم المستورد من جانب بعض المراكز الصحيّة "ملوّثاً" ويحمل بعض الفيروسات المهلكة كـ(الإيدز أو التهابات الكبد الوبائي)، التي يمكن أن تنقل العدوى إلى المرضى. وهناك تجارب سابقة حدثت في العديد من الدّول، تسبب فيها نقل دم ملوّث بإصابة أطفال بمرض الإيدز والسّرطان، ولهذا وضعت الوزارة أيّ عمليّة لاستيراد الدّم تحت إشرافها المباشر، وبإذن منها. كما من شأن هذا القرار ردع من تسوّل له نفسه الاتّجار بالدم البشري، وتحريض البعض على إتيان هذا الفعل، خاصّة في ظل وجود أعداد كبيرة من الوافدين تأتي إلى الدّولة في زيارات تستغرق ثلاثة أشهر للبحث عن عمل، أو للاختبار في بعض الوظائف من جانب بعض الشركات، وهؤلاء قد يغرَّر بهم من جانب البعض لبيع دمائهم إلى بعض المراكز الصحيّة مقابل الحصول على أموال لمواجهة متطلّبات المعيشة خلال هذه الفترة الزمنيّة. والخطورة هنا أنّ بعض هؤلاء قد يكونون مصابين بأمراض معدية وخطرة، وقبل أيام حذّرت دائرة الصحة والخدمات الطبيّة في دبي من دخول وافدين مصابين بأمراض معدية إلى الدولة من دون إجراء فحوص طبيّة لهم، ولفتت الانتباه إلى أنّ عدداً كبيراً من هؤلاء يعملون تحت التدريب نحو 90 يوماً لاختبارهم، وبعد ثبوت كفاءتهم، يحالون على الفحص الطبيّ، فتتبين إصابتهم بأمراض معدية مثل الإيدز والالتهاب الكبدي أو السل. إذا كان هذا القرار له وجاهته ومنطقه الصحيّ والأخلاقيّ، فإنّه يجب على الوزارة أن تتحرّك لتوفير بدائل آمنة من الدّم الذي تحتاج إليه المستشفيات، خاصّة في ظلّ ارتفاع الطلب على الدّم في الدّولة، مع الزيادة المطّردة في عدد السكان، وزيادة عدد المستشفيات الخاصة والحكومية، الذي بلغ 30 مستشفى تحتاج إلى نقل الدم بصفة يوميّة، ووفقاً لتقرير أعدّته وزارة الصحة، فإنّ الطلب على الدم في الدولة يتزايد بنسبة 13% كلّ عام. واللافت للانتباه هنا أنّ التبرّع التطوّعي بالدّم هو البديل الذي تعتمد عليه الدّولة بصورة أساسيّة في توفير احتياجاتها من الدم، حيث يتمّ اختيار المتبرّعين بصورة دقيقة، ويخضعون لسبعة أنواع من الفحوص المخبريّة لضمان سلامة الدم المنقول للمرضى ومأمونيّته. وتُعدّ الإمارات أول دولة على مستوى الشرق الأوسط طبّقت فحص الدم باستخدام تقنيّة الحمض النوويّ لتشخيص فيروسات الإيدز والالتهابات الكبديّة. وقد أشادت "منظمة الصّحة العالميّة" والمنظمات المشاركة في الاجتماع الدّولي لسلامة نقل الدم، الذي عقد في جنيـف أخيراً، بدور وزارة الصّـحة في تطوير برامج نقل الدم في الدولة. إذا كان التبرّع بالدّم هو البديل الأساسيّ لتأمين متطلبات الدّولة من الدم، فإنّ هذا يقتضي من الهيئات المختلفة التحرك لنشر الوعي بأهميّة التبرع بالدّم، سواء باعتباره ظاهرة إيجابيّة للصحة العامة، وهي تجديد الدورة الدمويّة للشخص المتبرع، أو ذا بعد دينيّ وأخلاقيّ، بوصفه عملاً إنسانيّاً نبيلاً يساهم في تخفيف آلام المرضى، وفي مدّ يدّ العون إلى المحتاجين منهم إلى الدم.