"المستقبل العربي": الفيدرالية والأزمة ---------------- نطالع بين دفتي العدد الأخير من شهرية "المستقبل العربي"، ثلاث دراسات، أولاها عن "الأزمة المالية العالمية: أسبابها وانعكاساتها"، وهي بحث اقتصادي مميز، يلخص كاتبه إلياس سابا، أسباب الأزمة المالية الحالية، فيعيدها إلى انحياز الفقه الاقتصادي السائد ضد تدخل الدولة، وإلى هيمنة الأسواق على القرارات الاقتصادية، في ظل غياب للمساءلة. كما يحدد مراحل تطور الأزمة، مقارباً موضوع معالجتها بعدد من المقترحات التصحيحية والإصلاحية، ويرى أن من أهم نتائج هذه الأزمة كونها وجهت ضربة قاسية لنفوذ الولايات المتحدة ولسطوتها الاقتصادية. وينبه إلى أن التغاضي عن الاعتراف بالأسباب الفعلية للأزمة المالية، وعدم التصدي لها جدياً.... جعلاها تستمر إلى أن انفجرت أخيراً بهذه الارتدادات السلبية على العالم. أما الدراسة الثانية فقد كتبها قحطان أحمد الحمداني، وعنوانها: "الفيدرالية في العراق بين الدستور والتطبيق العملي"، ويوضح فيها أن الفيدرالية في الفقه القانوني الدستوري هي مفهوم حاسم في تأكيده على وجود شخصية دولية واحدة مركبة من سلطات اتحادية وإقليمية، أما في دستور العراق لعام 2005 فلم ترد الفيدرالية بمعناها القانوني الدقيق، وإنما كونفدرالية تعرض مستقبل البلاد لخطر التقسيم "في ظل الاحتلال الذي يمارس سياسة التفرقة في البلاد ويشجع على الطائفية والعرقية والحرب الأهلية". وفي ظل حالة كهذه يقترح الكاتب إجراء انتخابات حرة وشفافة بإشراف أممي، تمهيداً لوضع دستور عراقي جديد يعبر عن رغبات الشعب العراقي أو أكثريته، في نظام حكم ديمقراطي يقر الفيدرالية السليمة التي تعطي الأولوية للسلطة الاتحادية وقوانينها. وأخيراً يعرِّف ساري حنفي بسياسة "التطهير المكاني" التي تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، قائلا إنها سياسة ترمي إلى طرد السكان الفلسطينيين داخلياً أو خارج الحدود المتغيرة للدولة الإسرائيلية. ويخلص الكاتب إلى أن هذه السياسة هي مزيج من ثلاث استراتيجيات: إبادة المجال المكاني، التطهير العرقي، والتفرقة العنصرية الدؤوبة، كما يشير إلى استمرار تطبيقها بمعزل عن عملية السلام، حيث تضاعف عدد المستوطنات والمستوطنين ثلاث مرات بعد توقيع اتفاق أوسلو. -------------- Foreign Affairs أكبر نكسة للغرب ------ قضايا دولية عدة شملها العدد الأخير من دورية Foreign Affairs التي تصدر كل شهرين عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ومقره واشنطن. فتحت عنوان "الانهيار الكبير" يرى "روجرس التمان" أن الانهيار المالي والاقتصادي الكبير عام 2008، يمثل أكبر نكسة جيوبوليتيكية للغرب خلال خمسة وسبعين عاماً الأخيرة وأن الحكومة الأميركية وحكومات الدول الأوروبية لا تمتلك الموارد ولا المصداقية الاقتصادية التي ستمكنها من لعب الدور الذي كان متوقعاً لمواجهة أزمة بهذا الحجم. وهو يقول إن هذه الأزمة تطرح السؤال المتعلق بما إذا ما كانت هناك حاجة لنهج عالمي مالي جديد يكون بمثابة "بريتون وودز" جديدة مثلا؟ ويجيب بالقول إن هذا النهج تكتنفه العديد من الصعوبات وسيكون سبباً في خلق عدد من المشكلات الجديدة. والنهج الأفضل في نظره هو التركيز على عدد من الإجراءات الرئيسية مثل إعادة بناء صندوق النقد الدولي، وتغيير إطار الدول الثماني الكبرى ومراجعة الخطوط الإرشادية المعروفة بـ"باسل 2" التي تنظم عمليات رسملة البنوك. وهو يرى كذلك أن الولايات المتحدة ستظل أقوى وأغنى دولة في العالم لفترة طويلة مقبلة رغم النكسة الكبرى التي تعرضت لها بسبب انهيار عام 2008. وتحت عنوان "في ظلال البيت الأبيض" كتب "إيفو. إتش. دالدار" يقول إنه لا توجد فقرة واحدة في القوانين الأميركية تتعلق بصلاحيات منصب مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي، وأن هذه الوظيفة هي من اختراع الرؤساء الأميركيين وأنها قد اكتسبت زخما وبروزا كبيرين عقب انتخاب جون كنيدي منذ نصف قرن تقريباً، ثم أصبحت بعد ذلك جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية التي يتبعها الرؤساء لإدارة السياسة الخارجية الأميركية، وأن هناك 15 سياسياً قد تولوا هذه الوظيفة منذ أيام كنيدي، حقق بعضهم نجاحا ملحوظا في حين لم يتمكن آخرون من ذلك.