غسيل الأموال: أطر المكافحة ---------- تتخلل الاقتصاد العالمي أموال بمليارات الدولارات غير المشروعة، والناتجة عن تجارة المخدرات، والتهريب، والرقيق الأبيض، والفساد والرشوة، وغير ذلك من الممارسات المالية المخالفة للقانون. وتزداد خطورة هذه الأموال في الاقتصاد العالمي إذا علمنا أنها تؤدي إلى منافسة غير متكافئة، وإلى التهرب من الضرائب، وإلى تهديد استقرار التنمية الاقتصادية، بل قدد تصبح مصدراً لتمويل الأنشطة والعمليات الإرهابية. من هنا تأتي أهمية كتاب "الإطار القانوني لمكافحة غسل الأموال"، لمؤلفه عبدالله عبدالكريم عبدالله، حيث يعرف بالدور الذي تلعبه التشريعات الداخلية والاتفاقات الدولية في مكافحة الجرائم المالية والحد منها. فقد حظيت ظاهرة غسل الأموال باهتمام كبير خلال العقدين الأخيرين، لتعاظم حجمها، وتطور وسائلها، وارتباطها بالجريمة المنظمة والإرهاب... في عالم بات أكثر تشابكاً وأسرع تفاعلا، لهذا تزداد أهمية دراستها والإحاطة بالجهود المحلية والعالمية لمكافحتها. فالأموال التي يتم غسلها سنوياً، يقدر حجمها بما يتراوح بين 750 مليار دولار و1000 مليار دولار، ووفقاً لأجهزة عالمية مالية مختصة (منها صندوق النقد الدولي) فإن الحجم الحالي لعمليات غسل الأموال يتراوح بين 650 مليار دولار و1.6 تريليون دولار، أي ما نسبته بين 2% و5% من الناتج الإجمالي العالمي. ويوضح لنا الكتاب أن ظاهرة غسل الأموال ليست طارئة على المجتمعات البشرية، بل هي ظاهرة قديمة وقد نشأت منذ احتاج الإنسان إلى إخفاء مصادر كسبه غير المشروعة، غير أن عمليات غسل الأموال تزايدت بصورة كبيرة في العصر الحديث، عندما اتسع نطاق الجريمة المنظمة، والذي صاحبه في الوقت ذاته استخدام لأساليب أكثر كفاءة في عمليات الإخفاء والتمويه. وغالباً ما تتركز جرائم غسل الأموال في خمسة مجالات رئيسية يوضحها الكتاب بكثير من التفصيل، هي: تجارة المخدرات التي تعد المصدر الأول للدخول غير المشروعة، والتهرب الضريبي بأشكاله المختلفة، وجرائم الفساد الإداري مثل الرشوة واستغلال المنصب العام، وتجارة "الرقيق الأبيض" التي تشهد نمواً سريعاً في كثير من الدول، وأخيراً التعدي على العقارات والأملاك العامة. وزيادة في توضيح موضوعه، يبين الكتاب أن هدف عمليات غسل الأموال يتمثل في البحث عن تغطية قانونية لأصل ما، أو لملكية أموال تم الحصول عليها بصورة غير قانونية، بحيث تبدو في النهاية وكأنها أموال ذات مصدر مشروع، وذلك بحيث لا تخضع لقوانين المصادرة وغيرها من قوانين محاربة إيرادات الأنشطة الإجرامية. ولذلك فإن عمليات غسل الأموال هي في جوهرها عمليات تمويه وإخفاء أمام السلطات حول مصادر الأموال، وقد باتت هذه العمليات تحتاج اليوم إلى مهارات خاصة وأساليب شديدة التعقيد. وقد استغلت جماعات الإجرام المالي تطورين رئيسيين لتسهيل عملياتها: أولها المراكز المالية الدولية وانفتاحها، بما وفرته من مناخ موات لغسل الأموال، عالميا ومحلياً. أما العامل الثاني فهو تطور نظم التحويل الإلكتروني للأموال، بفضل الثورة التقنية وشبكات الحاسب الآلي العملاقة التي تربط سائر الأسواق المالية والنقدية في أنحاء المعمورة. ووفقاً للكتاب فإن عملية غسل الأموال تمر بثلاث مراحل: الأولى هي "مرحلة التوظيف"؛ وتعني الدخول المبدئي للأموال ضمن النظام المالي في دولة ما من الدول. والثانية هي "مرحلة التمويه"؛ وتستهدف خلق مجموعة معقدة من العمليات المالية لإخفاء المصدر الذي جاءت منه الأموال. أما الثالثة والأخيرة فهي "مرحلة الدمج"، فبعد نجاح أصحاب الأموال في التمويه، يقومون بضخها في الاقتصاد مرة أخرى بصفتها أموالا مشروعة ومعلومة المصدر. لكن كيف تواجه الدول والمنظمات الدولية أنشطة الإجرام المالي؟ يتعرض الكتاب لهذا العنصر الأساسي في معالجته، مركزاً على الجهود القانونية والتشريعية لمكافحة غسل الأموال. وفي النطاق الداخلي يستعرض بعض التشريعات العربية ذات الصلة، مثل التشريع المصري، والتشريع اللبناني، والتشريع الكويتي... بصفتها نماذج للتشريعات العربية في مكافحة غسل الأموال، ثم يتعرض لنماذج تشريعية عربية أخرى في سياق مناقشته حول الأطر المؤسسية لمكافحة غسل الأموال، لإبراز الملامح العامة لتشكيلها، ومهماتها، وصلاحياتها. فالمشرع اللبناني مثلا يعرف "تبييض الأموال" بأنه نشاط يستهدف إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة، أو إعطاء مسوغ كاذب لهذا المصدر بأي وسيلة كانت. فيما يعرفه المشرع الكويتي بأنه عملية أو مجموعة من العمليات المالية أو غير المالية، تهدف إلى الإخفاء أو التمويه للمصدر غير المشرع للأموال، أو عائدات أي جريمة، وإظهارها في صورة أموال أو عائدات ناتجة عن مصدر مشروع. أما في النطاق الدولي فيبحث الكتاب في أهم المعاهدات التي أقرها المجتمع الدولي لمواجهة ظاهرة غسل الأموال؛ وفي مقدمتها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية (فيينا 1988)، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (باليرمو 2000)، وأخيراً اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (نيويورك 2003). كما يعرض لمجمل الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة تمويل الإرهاب، ومدى ارتباط ذلك بمكافحة غسل الأموال. ونظراً للموقع المركزي للمصارف، بوصفها ضحية أو شريكاً وأداة في نشاط غسل الأموال، فإن الكتاب يتطرق أيضاً باستفاضة لعرض الجوانب الإجرائية والتنظيمية لدورها في مكافحة الجرائم المالية، ويتوقف مطولا عند الأطر المؤسسية لذلك الدور في عدد من الدول العربية. محمد ولد المنى الكتاب: الإطار القانوني لمكافحة غسل الأموال المؤلف: عبدالله عبدالكريم عبدالله الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2008