أتذكرون صيف العام الماضي حين سجلت أسعار النفط العالمي أرقاماً قياسية، ولاح في الأفق عزمنا على تحقيق الاستقلال في مجال النفط؟ صحيح أن أسعار الوقود اليوم تعادل نصف ما كانت عليه في صيف العام الماضي، لكن هذه الأسعار لن تواصل انخفاضها لوقت طويل. فليس مستبعداً أن يشهد العام الحالي أسوأ أزمة في تاريخ الوقود، ما أن تخطط منظمة "أوبك" لخفض إنتاجها، بينما تبذل اقتصادات الدول قصارى جهدها للخروج من الأزمة الحالية واستئناف نموها. فما السبيل لتفادي كارثة كهذه؟ ربما لا تكون الإجابة سهلة ومباشرة عن السؤال. غير أن تحديد سقف أدنى لسعر الوقود من قبل الحكومة، من شأنه أن يوفر لنا وقتاً كافياً للتحرر من الاعتماد على استيراد النفط الأجنبي. وإن كانت تنبؤات التعافي النفطي متشائمة حالياً، فذلك يعود إلى سبب واحد هو امتناع الشركات المنتجة والمصدرة للنفط عن الاستثمار في مشروعات جديدة أخرى حين تنخفض أسعار النفط. ومن داكوتا الشمالية إلى الكويت، حل الركود بالشركات النفطية التي طالما ازدهرت مشروعاتها التصديرية وحققت أرباحاً طائلة حين بلغ سعر النفط 147 دولاراً للبرميل، إثر الانخفاض المريع الذي شهدته الأسعار مؤخراً. والمتوقع أن تستأنف غالبية هذه المشروعات الجديدة أنشطتها ما أن تعود أسعار النفط للارتفاع تارة أخرى. لكن المشكلة أن تشغيل حقل نفطي جديد وتوصيل منتجاته إلى السوق ربما يستغرقان بضع سنوات، ما يعني فوات الأوان عليها. يذكر أن انخفاض أسعار النفط ظل القوة الدافعة لنمو الاقتصاد الأميركي على امتداد العقود. يجدر بالذكر أن تأثيرات ندرة النفط تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتثير الاضطرابات الاجتماعية، وتشعل نيران النزاع السياسي، إلى جانب ظواهر الجوع واندلاع مظاهرات الخبز، بل وحتى اشتعال الحروب. ففي موسم الربيع الماضي، خرجت الجماهير إلى الشوارع في كل من بنجلاديش وهاييتي في مظاهرات غاضبة، ولك أن تتأمل ما سوف يتلو ذلك في المستقبل القريب، ما لم نتخل عن النفط أو يتخلى هو عنا! وخلال موسم ارتفاع أسعار النفط الذي أثار كثيراً من الحنق هنا في أميركا، تصاعدت الضغوط من أجل إجراء التحسينات التي طال انتظارها، في خطوط السكك الحديدية، ونظم النقل الداخلي في المدن، إضافة إلى إعادة هندسة شبكتنا القومية للكهرباء بحيث تعمل على أساس إنتاج وتوزيع طاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة البديلة المتجددة. غير أن انخفاض أسعار النفط يهدد الآن بتثبيط العزيمة السياسية على المضي في تلك الإصلاحات، والعودة مجدداً إلى عادة الاعتماد المريح على واردات النفط الأجنبي. وتشير الدراسات التي أجريت مؤخراً إلى عودة الكثير من سائقي السيارات الخاصة، الذين لجأوا إلى الحافلات العامة وغيرها من وسائل النقل الجماعي، إلى قيادة سياراتهم مرة أخرى بعد انخفاض أسعار الوقود. وفي الوقت نفسه أشارت الدراسات إلى أن الساسة الذين سبق أن وعدوا بقيادة البلاد وحثها على إنتاج الطاقة النظيفة المتجددة، تخلوا عن ذلك الوعد وبدأوا يبشرون ببناء مسارب جديدة في طرق المرور السريع في ولاياتهم. لكن المطلوب هو أن يواصل الناخبون والساسة الأميركيون الجهود والعمل، وكأن سعر جالون الوقود لم ينخفض بسنت واحد عما كان عليه في موسم الصيف حين كان 4 دولارات بالتمام والكمال. وعلى الطرفين معاً أن يتعاونا على وضع سياسات وتحوطات تهيئ البلاد للتعامل مع ظروف أشد قسوة، ربما يصل فيها الجالون الواحد إلى ما يتراوح بين 5 و10 دولارات. ويتطلب استعداد كهذا، تحديد أولويات الإنفاق ووضع الاستراتيجيات الملائمة له. ولمزيد من الوضوح حول ما يجب عمله، علينا أن نحدد أولوياتنا في السكن والعيش واللبس والمشرب والترفيه والعمل والتشريع لمستقبلنا، وكأننا سوف نصل إلى قاع آخر برميل نفطي تبقى، خلال عقد واحد من الآن. فمع ما نرى من انفجار سكاني عالمي هائل مثلما هو حاصل اليوم، فإن اللحظة التي سوف يزداد فيها الطلب على العرض النفطي، لم تعد سوى مسألة وقت لا غير. فهي لحظة حتمية وقادمة دون ريب. والطريقة المثلى لتهيئة بلادنا لمواجهة لحظة نضوب النفط هذه، هي العمل على إطالة أجل وسعة الاحتياطي النفطي العالمي، بحيث يستمر لفترة أطول من الوقت المرتقب لنضوبه. وفيما لو أحسنا الاستعداد، فإن في ذلك ما يوفر لنا من الوقت ما يكفي لابتكار مصادر جديدة بديلة للطاقة. وربما تكون العروض النفطية قد شحت نسبياً، غير أن الأفكار التي تعيننا على تطوير بدائل الطاقة الأخرى لم تنقص ولم تنضب. فهناك مجال واسع لمبادرات ابتكار الطاقة البديلة وتطبيق معايير كفاءة استهلاك الطاقة وأفكار أخرى طرحت بإلحاح خلال موسم ارتفاع أسعار النفط فيما نذكر. وهناك من طالب بضرورة التقيد بسرعة 55 كيلومترا في الساعة عند قيادة السيارات. وهناك من نادى بالاستثمار في طاقة الإيثانول... إلى آخره. وللرئيس أوباما طاقم كفؤ من الخبراء والمستشارين في مجالات الطاقة والاقتصاد والبيئة، يمكنه وضع أفضل السياسات الممكنة لتحرير بلادنا من اعتمادها التقليدي على النفط المستورد. إريكا إيتلسون -------- كاتبة صحفية ومؤسسة مجموعة "الاستقلال النفطي" الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"