قبل ثلاثين عاماً، تحديداً في مارس من عام 1979، وقّعت كل من مصر وإسرائيل على معاهدة سلام بوساطة من الرئيس الأميركي في حينها جيمي كارتر. وقد أثبتت تلك المعاهدة أنها ناجحة بدليل أنه لم تنشب حرب أو أي نزاع مسلح بين مصر وإسرائيل منذ تاريخ التوقيع عليها. ومن بين الأسباب التي ساعدت على ذلك النجاح، إنشاء قوة دولية متعددة الجنسيات لحفظ السلام والمراقبة في أغسطس من عام 1981. وتتألف هذه القوة بشكل رئيسي من قوات أميركية، إضافة إلى مشاركة وحدات عسكرية أصغر من عشر دول، من بينها أستراليا وفرنسا وفيجي والنرويج. وتعرف تلك القوة اختصاراً في اللغة الإنجليزية باسم MFO ، وتقتصر مهتمها على مراقبة صحراء سيناء التي احتلتها إسرائيل أثناء حرب عام 1967. وعلى الرغم من قلة الحديث اليوم عن هذه القوة السلمية الدولية، إلا إنه من الأهمية بمكان أن نذكر هنا أن أي صفقة سلام محتملة في المستقبل بين إسرائيل وسوريا، تقتضي انسحاب الأولى بالكامل من مرتفعات الجولان، ما يعني تحويل تلك المرتفعات إلى منطقة منزوعة السلاح، تتطلب نشر قوة حفظ سلام دولية شبيهة بقوة MFO. ولعل صفقة السلام المحتملة بين سوريا وإسرائيل يمكن أن تحقق نجاحاً وقدرة على الاستمرار، خاصة إذا ما استبعدنا إمكانية التوصل إلى سلام إسرائيلي فلسطيني في أي وقت خلال المستقبل القريب المنظور. فمن ناحية يدور بين الفصائل الفلسطينية الرئيسية ما لا يقل توصيفه عن الحرب الأهلية الضروس. وما لم تبرز قيادة فلسطينية موحدة ممثلة للإرادة الفلسطينية بحق، فإنه لأبعد من السماء أن تغامر أي حكومة إسرائيلية، يسارية كانت أم يمينية أم وسطية، بالإقدام على التخلي عن مزيد من أراضي الفلسطينيين المحتلة. ومن ناحية أخرى، فلن يكون هناك شريك فلسطيني يعول عليه، من وجهة النظر الإسرائيلية على الأقل، طالما أمسكت بزمام القيادة في تل آبيب حكومة ممثلة ليمين الوسط، تولي اهتماماً أكبر لأمن إسرائيل على حساب التنازل والتصالح مع الشعب الفلسطيني. غير أن أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينية وتطرفاً وعداء لفكرة المصالحة والسلام، مثل الحكومة المرتقبة عقب الانتخابات العامة الأخيرة، والتي يرجح لها أن تكون بقيادة زعيم حزب "الليكود" اليميني بنيامين نتانياهو، ربما تكون أكثر ميلاً لإبرام صفقة سلام مع سوريا بدلاً من الفلسطينيين. ويزداد هذا الاحتمال بدرجة كبيرة، فيما لو حظيت خطوة كهذه بدعم قوي من قبل واشنطن على وجه الخصوص. يذكر أن إدارة جورج بوش الآفلة لم تبدِ حماساً في هذا الشأن -بل عرقلت إبرام صفقة سلام كهذه- مدفوعة بغضبها من دمشق، بسبب اتهامها لها بدعم "حزب الله" اللبناني، إضافة إلى قضية اتهامها لها أيضاً بالضلوع في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في فبراير من عام 2005. هذا ولا يزال مجهولاً ما إذا كانت إدارة أوباما ستدفع باتجاه صفقة سلام كهذه بين سوريا وإسرائيل، إلا أن الكونجرس الأميركي، والذي يسيطر عليه "الديمقراطيون" أيضاً، يبدي حماساً كبيراً، فيما يبدو، لمثل هذه الصفقة. ومن أقوى المؤشرات على هذا الحماس، زيارة العديد من كبار أعضاء الكونجرس إلى دمشق خلال الأسبوعين الأخيرين، بهدف مناقشة هذا الأمر واستكشاف مدى إمكانية التوصل إلى سلام بين سوريا وإسرائيل. وقد شملت قائمة كبار الزوار الأميركيين، جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وهوارد بيرمان، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب. غير أن المتوقع من دمشق أن تبدي تمنعاً كبيراً من الدخول في أي صفقة سلام مع إسرائيل، ما لم تحظ هذه الصفقة بدعم ملحوظ من قبل الولايات المتحدة الأميركية نفسها والاتحاد الأوروبي. ذلك أن المصلحة الوحيدة التي تدفع دمشق إلى إبرام صفقة سلام مع إسرائيل، ليس إقامة علاقة صداقة أو مصالحة مع هذه الأخيرة، بل بالأساس تكمن هذه المصلحة في تطلع دمشق إلى إعادة إدماج اقتصادها وعلاقاتها الخارجية في نمط الاقتصاد الغربي. والفكرة هي أن تعود عليها صفقة السلام المتوقعة مع إسرائيل بمكاسب وامتيازات شبيهة بتلك التي جناها القائد الليبي العقيد معمر القذافي، ما أن أعلن تخليه عن أسلحة الدمار الشامل التي كانت تحوزها بلاده وبدأت تغير توجهها في عدد من القضايا الإقليمية والعالمية. وتدرك دمشق أن الثمن الذي سيتوجب عليها دفعه مقابل هذه الصفقة، هو وضع حد لتحالفها الوثيق مع طهران. وفي حين يصعب على أي كان توقع تضحية سوريا بعلاقة صداقة وثيقة كهذه مع حليفتها إيران، إلا أنه من المؤكد أن تنص أي صفقة سلام تبرمها مع إسرائيل على بروتوكولات تحد كثيراً من عملية إعادة تسليح مليشيات "حزب الله" في لبنان عبر الأراضي السورية. وفوق ذلك يتوقع أن تمارس المزيد من الضغوط على دمشق ودفعها باتجاه تعديل سياساتها إزاء لبنان، ولعب دور إيجابي بناء لصالح تحقيق الاستقرار هناك. وفيما لو حققت هذه الضغوط غايتها، فسوف تتقلص قدرة "حزب الله"، إلى حد كبير، على التأثير في الحياة السياسية اللبنانية. وفي الوقت نفسه ربما تمارس دمشق كذلك ضغوطاً موازية وشبيهة على قادة الفصائل الفلسطينية ودفعهم نحو إبرام مصالحة وطنية فيما بينهم، كي يكون لهم صوت موحد يستطيعون به الدخول في مفاوضات سلام نهائي مع إسرائيل. لكن عناصر هذا السيناريو، وإن بدت منطقية ومتكاملة في الظاهر، فإنها تبقى مجرد تخمينات وتأويلات لما محتمل، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار مستوى التشاؤم الحالي الذي يحيط بإمكانية إحراز أي تقدم على صعيد جبهة المفاوضات السلمية الإسرائيلية الفلسطينية. وبسبب استبعاد احتمال أي مفاوضات كهذه في المستقبل القريب المنظور، فإنه من الواجب إعطاء قدر أكبر من الاهتمام للخيار السوري الذي يبدو ممكناً في ظل المعطيات والآفاق المذكورة آنفاً. وهذا هو واجب السيناتور جورج ميتشل، مبعوث الرئيس أوباما الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط.