يُعدّ النشاط الذي تقوم به جمعيّات النفع العام أحد مكوّنات الحياة الاجتماعيّة في الدولة، ويجسّد في أحد معانيه قيم التكافل والتعاون التي تميّز مجتمع الإمارات، ولهذا لا تألو الدّولة جهداً في تفعيل نشاط هذه الجمعيّات، بما يسهم في تنمية المجتمع وتلبية متطلّبات التطوّر. من هذا المنطلق، تأتي أهميّة التعديلات التي تضمّنتها مسوّدة مشروع اللائحة التنفيذيّة لقانون الجمعيات ذات النفع العام الاتحادي رقم (2) لسنة 2008، الذي تمّ إقراره العام الماضي، وفي انتظار اعتماده بشكل نهائيّ في الفترة القريبة المقبلة. أهميّة التعديلات الجديدة، ليست لكونها تتضمّن العديد من التسهيلات التي تشجّع العمل الأهليّ والتطوعيّ بشكل عام، وإنما لأنّها ترسخ الشراكة الحقيقيّة والفعّالة بين الدولة والجمعيّات الأهليّة والتطوعيّة أيضاً. أحد هذه التعديلات أتاح إمكانية عقد الجمعيّة العموميّة خلال أربعة أشهر من انتهاء السنة الماليّة للجمعيّة، بدلاً من ثلاثة أشهر، والسماح للأعضاء الجدد، الذين مرّ على التحاقهم بالجمعيّة ثلاثة أشهر، بحضور الجمعيّات العموميّة، وتمتّعهم بحق التصويت والترشّح بدلاً من ستة أشهر. وهذا من شأنه إضفاء طابع المرونة على عمل هذه الجمعيّات. كما تسمح التعديلات الجديدة بإمكانية تكوين اتحادات أهليّة تشكّل من جمعيات النّفع العام العاملة داخل الدّولة، بشرط أن تكون هذه الجمعيّات ذات طبيعة وأهداف واحدة، فمثلاً لا يجوز اشتراك جمعيّة نسائيّة، على سبيل المثال، في اتّحاد ذي طابع مهني. ولاشكّ في أنّ لهذه الجزئيّة أهميتها البالغة؛ فإضافة إلى أنّها تستهدف تفعيل عمل الجمعيّات ذات الطبيعة الموحدّة، فإنّها تأخذ في الاعتبار كذلك متطلبات العمل الأهليّ على الصعيد الدوليّ، حيث تشترط بعض الاتحادات العالميّة أن تمثل الدول في عضويتها عن طريق اتحادات تضم 10 جمعيّات مثل الاتحاد الدوليّ للمكفوفين. كما تفتح التعديلات الجديدة أمام جمعيّات النفع العام الاستثمار؛ للاستفادة من الفوائض الماليّة المتاحة في ميزانياتها، ولتوفير الدّخل اللازم لخطط الجمعيات، وأهدافها، وأنشطتها الخيريّة. واللافت للانتباه هنا أنّ هذه التعديلات لم تحدّد مجالات معيّنة للاستثمار؛ ما يعني أنّ جميع المجالات مفتوحة أمامها، في حين حصر القانون الاتحادي رقم (2) لسنة 2008 عملية إشهار الجمعيّات والتصريح بعملها في وزارة الشؤون الاجتماعيّة فقط، وحظر على الجمعيّات تلقي أيّ تبرعات أو هبات من أي شخص داخل الدولة أو خارجها من دون إذن مسبق من الوزارة. ومن المأمول أن تسهم التعديلات الجديدة في تطوير وتفعيل العمل الأهليّ والتطوعيّ في الدولة، الذي يشهد تطوراً نوعياً وكمياً متنامياً، فحسب إحصاءات وزارة الشؤون الاجتماعيّة، فقد ارتفع عدد الجمعيّات العاملة داخل الدولة هذا العام ليبلغ نحو 134 جمعيّة، من بينها 35 جمعيّة في إمارة أبوظبي. كما تقدّم الوزارة دعماً مالياً سنوياً إلى الجمعيّات الوطنيّة، تمت زيادته العام الجاري بنسب متفاوتة بحسب أنشطة الجمعيّات وحجم مشروعاتها. وإذا كان تفعيل جمعيّات النفع العام يجسّد قيم التكافل الاجتماعي في الدولة، فإنّه يعكس على الجانب الآخر إدراكاً متنامياً لأهميّة الدور التنموي الذي تقوم به، أو يفترض أن تقوم به هذه الجمعيّات إلى جانب المؤسسات الرسميّة. وهذا يتطلّب من هذه الجمعيّات أن تطوّر عملها بما يتفق مع التحوّلات التي تطرأ على المجتمع في المجالات المختلفة، والتي تؤدّي إلى بروز مجالات عديدة للاهتمام ربّما لا تركز عليها في الوقت الراهن. كما يتطلب مزيداً من المشاركة الشعبيّة، من منطلق تفعيل الشراكة بين الدولة والقطاع التطوعيّ والقطاع الخاص، تكون قائمة على علاقات التعاون والتكامل والتنسيق فيما بينها لخدمة المجتمع وتنميته.