تلعب إيران مع دول الخليج لعبة "السيرك" بالقفز على حقائق التاريخ الناصع، دون أن تربط يديها أو قدميها بالحبال غير المرئية بالنسبة للمتابع العادي للأحداث التي بدأت تأخذ حيزاً آخر بين البحرين وإيران، بعد أن أوقفت الأولى صفقتها الاقتصادية من الغاز الإيراني. إذا كانت إيران تريد أن تواصل مع جيرانها لعبة "السيرك" هذه دون مراعاة للخيوط الحقيقية التي تربط بينها وبين الآخرين، فإن المعادلة التي ستسود المنطقة في المرحلة المقبلة لن تبقى هي النسخة الكربونية لما سبق، وخاصة إذا أخذت التصريحات المستفزة لسيادة الدول واستقلالها أبعاداً أخرى قد تمس المصالح الإيرانية في الخليج من الناحية الاقتصادية وغيرها من المسارات التي لم تقم دول المنطقة قاطبة بمسها طوال فترات التأزم المتوالية علينا. فإذا كان هذا المنطق الفج سيضيف إلى الأجندة المضطربة في منطقة الخليج بعداً "ثورياً" وليس سياسياً سيعقد المعادلة الأمنية، فهذا يعني الخروج عن أي شيء له علاقة بحسن الجيرة والتعاون المشترك والصداقة، لأن العداء في كافة التصريحات أصبح واضحاً. يبدو أن إيران في زهوها المبالغ فيه بالثورة، لا تريد المساهمة ولو بالنزر اليسير من الاستقرار النسبي في منطقة الخليج، وقد يكون ذلك في غير صالحها، أي أن الثورة الإيرانية تريد البقاء عصية على الخمود الذي ينتج سلاماً وأماناً كما التربة البركانية التي تزهر وتورّد نماء وعطاء بعد ويلات الفوران والاندفاع نحو الدمار. يحار المرء في هذا الدفع الإيراني نحو "فارسية" الخليج بعد أن كانت تعد العالم والجيرة على وجه الخصوص بأسلمتها هروباً من "الخليج العربي"... كيف؟! إن إيران الفارسية اليوم تلوي عنق التاريخ لصالح أطماع عفا عليها الزمن ولن تجد لها من مناصرين إلا من خلال بعض الأحزاب والحركات المنفصلة عن جذورها بالولاء لها، وهي لا تمثل ثقلاً دولياً ولا إقليمياً حتى تتكئ على صراخها العالي. ماذا يضير الحكومة الفارسية في إيران لو حافظت على خطوط الرجعة الأخرى غير المسيسة من أجل شعبها المغلوب والمدثّر في غطاء الثورة التي يريد التنصل منها والعيش الآمن مع النفس ومع الآخر الذي لم يبد يوماً عداء طوال سنوات التأزم التي لا زالت حكومة الثورة ترفع شعاراتها السلبية ضد أقرب جيرانها. لا نعرف بالضبط متى ستعلن إيران الثورة عن ميعاد ولادة دولتها الطبيعية أمام العالم الذي يبحث عن موضع قدم آمن يحرك فيه مشاريعه التنموية بدل المزيد من الحصار والتضييق، بل إن سياسات إيران غير المحسوبة بصورة جيدة، تجعل لغة الأساطيل قوية وعالية، وهي التي تزعم دائماً بأنها سبب رئيسي لخطاباتها السياسية التي تستفز العالم من حولها وليس الجيران فقط، وإن كنا أكثر تضرراً من العالم أجمع إذا ما امتدت يد القوة غير المرغوب فيها للحسم. وعلى إيران الثورة ألا تنسى أنها مستهدفة منذ قيام الثورة من أميركا وإسرائيل وقد جاء عصر أوباما المسالم إلى هذه الساعة للتخلص إن أمكن من كافة العوالق الماضية، إلا أن مؤشرات التصريحات الأخيرة غير اللائقة دبلوماسياً وواقعياً لا تذهب تجاه الحوار الرصين وهو من صالح إيران ومعها العالم أجمع. أما الاعتذارات المتذبذبة والمشوبة بردات الفعل فغير فاعلة، فهي مكشوفة ولا تنطلي على أحد فضلاً عن المعنيين بالأمر. إن طريق السلامة واضحة لدى كل محبيها والساعين لها، أما لدى الثوار في إيران فارس فإن بعض الأعين مغمضة عن كل الحقائق المعروفة في منطقة الخليج العربي.