شعر ناطق نوري، رئيس التفتيش العام في مكتب مرشد الثورة الإيرانية، بالورطة لأنه سيلقي خطاباً أمام الإيرانيين في مدينة مشهد عن "إنجازات الثورة الإسلامية"، وأخذ يمسح على جبهته وهو يفكر فيما سيقوله، فهو يعرف إنجازات الثورة جيداً، فهي بحسب الصحف الإيرانية قبل ثلاث سنوات كانت: 6 ملايين ملف قضائي سنوياً في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 70 مليون نسمة، دخول وخروج أكثر من 600 ألف سجين سنوياً، 15 مليون مريض نفسي، 14 مليون فقير، 6 ملايين شاب عاطل، 4 ملايين مدمن على المخدرات، 5 ملايين مشرّد ولاجئ، هروب مليون شاب سنوياً من بيوتهم، 71% منهم فتيات، وهجرة نحو 92% من النخب العلمية والأدمغة المفكّرة إلى دنيا الله الواسعة، خصوصاً إلى بلاد "الشيطان الأكبر". ومن المرجح أن تكون الأرقام الحالية أقبح وأفضح، ومن المرجح أيضاً أن تكون الأرقام غير الرسمية أعلى بكثير مما يُسمح للصحف الإيرانية بذكرها. وهذا مجرد قش من ركام "إنجازات" الداخل، وهناك إنجازات في الخارج أهمها تخريب علاقات إيران بالمجتمع الدولي وبجيرانها العرب والمسلمين، وبناء شبكة من العلاقات مع أنظمة بائسة ومنظمات مشبوهة. تذكّر ناطق نوري في خضم تلك الأرقام المفزعة والمعيبة آية من آيات الله في مياه الخليج العربي، حيوان رخوي ضعيف لكنه ذكي يسمى الحبّار، لا يُؤكل في طهران لأسباب شرعية، يطلق حبراً ساماً أسود اللون حين يشعر بالخطر والورطة، ليصبح الحبر مثل السحابة أو الغمامة تغطي انسحابه وهروبه. استفاد ناطق نوري من تقنية الحبّار وأخرج الشاه من قبره وحاكمه للمرة المليون، وأطلق المزيد من الحبر السام أمام الجمهور المحتشد ليضمن نزولاً مشرّفاً من منصة الخطابة، حين حشر مملكة البحرين وادعى أنها كانت الولاية الـ14، وكان لها ممثل في البرلمان. ولسوء حظه أن صحيفة "خراسان" الإيرانية نقلت خطابه ووضعته على الورق. وأغلب الظن أن ناطق نوري كان يعلم أن كلامه ليس إلا هراءً من الحجم الكبير، وربما اجتهد وهو يمنع نفسه من الضحك على نفسه، لكنه قال ما قال لإلهاء جموع الحاضرين لعلّهم ينسون للحظات ما وصل إليه حالهم في ظل حكومة الولي الفقيه بعد 30 سنة من "الإنجازات"، كما يفعل دائماً رفسنجاني في خطبه الدينية- الاقتصادية- الحبّارية، حين يقارن سعر البنزين المنخفض في إيران بسعره المرتفع في بعض الدول الخليجية، من دون أن يشير إلى معدل دخل الأفراد واختلاف المستوى المعيشي بين الإيرانيين وبين شعوب الدول التي يقارن بها في جزئية البنزين البسيطة. وهكذا يفتح المستمعون أفواههم تعجباً من قوة حجج هذا المُلا الملياردير، وقليل منهم يعرف أن كلامه ليس سوى غمامة تتيح له الاختباء من نظرات عيونهم. بالطبع في العلاقات بين الدول لا مكان للظنون أو الاستخفاف بما يقوله الرسميون واعتبار تصريحاتهم نوعاً من الهراء، حتى لو كانت كذلك، خصوصاً إذا كان الهراء صادراً من فم شخص مثل ناطق نوري الذي، إضافة إلى موقعه الحالي، يعتبر ضمن الحلقة الضيقة المحيطة بالرجل الأول في إيران، وكان رئيساً للبرلمان الإيراني قبل أن يدفعه المرشد الأعلى إلى خوض انتخابات الرئاسة عام 1997 في مواجهة خاتمي. لذلك كان الرد من الجانب البحريني والخليجي والعربي والدولي أيضاً واضحاً وحازماً في استنكاره لهذه التصريحات وتأكيده على سيادة واستقلال وعروبة مملكة البحرين، ولعلّها من المرات القليلة التي يتمكن فيها اللجام الخليجي متمثلاً في وزراء خارجية الدول الخليجية الست، من لجم جموح الفَرَس الإيراني الذي حين يصعد فوق منصة الخطابة ينسى نفسه ويشعر بزهو وغرور ويأخذ في الثرثرة، ولا يمكن إيقافه إلا بالحواجز والمواقف الجماعية الواضحة والصريحة في استنكارها وإدانتها. هذه المرة، وبعد أن تسبب حبّار نوري في تورّط نظام "الملالي" وكشف نواياه أكثر فأكثر إلى درجة جعلتهم يبدؤون في حملة نفي وتحسين علاقات، ربما يزايد نوري على الحبّار في تقنيته الاختبائية ويتهمه بأنه هو الذي تسبب في هذه الورطة، ويقطّعه ويصنع منه شوربة.