في الوقت الذي كانت إدارة أوباما ترسل فيه 17 ألف جندي أميركي إضافي إلى أفغانستان الأسبوع الماضي، فإنها كانت ترسل أيضاً إشارة جديدة على تواضع النوايا الأميركية هناك. فالمراجعات التي تتم على أعلى المستويات في الولايات المتحدة تركز، كما يقول كبار المسؤولين، على"الأهداف الواضحة والتي يمكن الوصول إليها". ومؤخراً عرّف "جو بايدن" هدف أميركا في أفغانستان بأنه يتمثل في"تحقيق الاستقرار في هذا البلد بحيث لا يشكل ملاذاً للإرهابيين". وهذا في الحقيقة، يعتبر عودة إلى الهدف الأصلي للمهمة، وهو ما يعني أنه لن يكون هناك المزيد من الحديث عن نشر الديمقراطية، وبناء الأمم. ولن يكون هناك أناشيد عن الفتيات الصغيرات اللائي يستطعن الذهاب إلى المدارس مرة ثانية. فنحن لن نتمكن، كما قيل مراراً وتكراراً، من تحويل أفغانستان إلى سويسرا. حسناً يمكن اعتبار هذا وعداً صادقاً، ولكن ما الذي يعنيه في الحقيقة؟ في رأيي أن هذا التحول الذي يبدو عملياً -حسب الظاهر - نحو "الواقعية" في أفغانستان، ربما يتضح أنه أكثر خطورة مما يبدو عليه. إن إصرار الرئيس أوباما على إجراء مراجعة شاملة للمهمة في أفغانستان، يستند إلى منطق سليم. فعلى الرغم من مُضي ست سنوات تقريباً، على ذلك التاريخ الذي أعلن فيه وزير الدفاع السابق"دونالد رامسفيلد" الحرب على أفغانستان، فإننا لا زلنا نجد أن الأحوال في مساحات كبيرة من البلاد تسوء يوماً بعد يوم، وأن العديد من الأشياء في حاجة إلى ترتيب. ولكن هل صحيح أن أوباما يفكر في جعل المهمة في أفغانستان أقل طموحاً؟ إلى حد كبير يتفق الجميع على أننا إذا أردنا أن نحرم "القاعدة" من ملاذها في هذا البلد، فإننا بحاجة أولاً إلى تفكيك خطر "طالبان". يتطلب هذا تقليص زراعة نبات الخشخاش، وتجارة المخدرات التي تمثل مصدر التمويل الأساسي لهذه الحركة إلى أقل حد ممكن. غير أننا يجب أن نعرف أن هذا الهدف لن يكون قابلاً للتحقيق إلا إذا وفرنا فرصاً أخرى شرعية للكسب أمام المزارعين والتجار، وهو ما يتطلب بدوره- وكشرط أساسي- ترويض الفساد المستشري في البلاد. ومحاربة الفساد المستشري من ناحية أخرى تتطلب منا تدريب قوات الأمن، وتشجيع حكم القانون، وبناء الطرق وغيرها من عناصر البنية التحتية. ويُشار هنا إلى أن قائد المنطقة المركزية الأميركية، الجنرال "ديفيد بيترايوس" وهو الرجل الذي يشرف على الجهد العسكري الأميركي في أفغانستان، قد اعترف باتساع نطاق المهمة ضمن كلمة ألقاها بمؤتمر عقد في "ميونخ" خلال الآونة الأخيرة. في تلك الكلمة قال "بيترايوس" إن الولايات المتحدة تحتاج بالإضافة إلى الجهد الحربي المكثف إلى:"زيادة في القدرات المدنية لمساعدة شركائنا الأفغان على تطوير وزيادة قدراتهم في المجالات الحكومية الأساسية، من أجل دعم التطور الاقتصادي الأساسي وللمساعدة على تطوير كافة الجوانب المهمة المتعلقة بحكم القانون، بما في ذلك المبادرات الرامية إلى دعم جهود تطوير الشرطة. وقادة الدول الحليفة المشاركة في المجهود العسكري في أفغانستان يرحبون بما يرونه عودة إلى الواقعية من جانب الولايات المتحدة، وذلك بعد الإدعاءات الساذجة للإدارة السابقة بخصوص نشر الحرية بين الدول المتخلفة، وهي إدعاءات لم يعد الوقت الحالي الذي يعاني فيه العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة من أزمة مالية طاحنة، يسمح بها. على أنه يجب ألا يفهم من ذلك أن الواقعية والتخلي عن الإدعاءات المبالغ فيها تعني أن المهمة لن تكون شاقة. فالشرط الأساسي لهزيمة "طالبان"، هو الحصول على دعم الشعب الأفغاني الذي يجب أن يدرك، حتى في الوقت الذي يتعرض فيه مدنيوه للقتل ويتواصل القتال، أن قتالنا هو قتالهم، وأننا نقاتل ضد عدو واحد، وأن القوات الأجنبية قد جاءت لتقديم المساعدة لهم وليس لاحتلالهم. والسؤال هنا هو: هل احتمال الحصول على مثل هذا الدعم من جانب الأفغان أكبر إذا ما اعترفنا أننا نأمل في مساعدتهم على تحقيق حياة أفضل، أما عندما نقول إننا نجوب أرجاء بلادهم من أجل تأمين أنفسنا وحمايتها من وقوع حادي عشر من سبتمبر جديد؟. هذا السؤال موجه للجبهة الداخلية أيضاً: فالجنود المتطوعون سواء كانوا في الجيش أو المارينز أو في القوات الجوية، والمدنيون الذين يأمل بيترايوس في انضمامهم للجهد الأميركي في أفغانستان وعائلاتهم، سوف يكونون بحاجة إلى التأكد من أنهم يضحون من أجل مصلحة الولايات المتحدة في المقام الأول. ولكن هؤلاء، يجب أن يشعروا بالفخر شأنهم في ذلك شأن أجيال سابقة لأنهم يحاربون من أجل توفير فرصة الحرية والرخاء لمناطق في العالم، كان من غير المرجح أن يتوافر فيها مثل هذه الحرية أو هذا الرخاء. إن التاريخ وبوش لم يخلفا تركة سهلة لأوباما، وأفغانستان ليست استثناء من ذلك، فأوباما كان يعرف أنه سيتعرض للانتقاد لإرسال تعزيزات إلى أفغانستان قبل انتهاء تقييم المهمة، ولكنه كان يعرف أيضاً أن هذا هو الشيء الصائب الذي يجب أن يقوم به بصرف النظر عن أي انتقادات. والآن، يتعين على الرئيس أن يطلب من الأميركيين إعادة الالتزام بحرب عانوا منها بما يكفي، ويجدون بعد سبع سنوات - بشكل من الأشكال - أنها تكاد أن تكون قد انطلقت توا.. وهي مهمة لا يحسد عليها بحال من الأحوال. فريد حياة كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس انجلوس تايمز وواشنطن بوست"