أحسنت البحرين صنعاً بموقفها الحازم هذه المرة تجاه المزاعم الإيرانية المتكررة عليها بشأن سيادتها واستقلالها، وتجاه معارضتها للتدخلات الإيرانية المتكررة في شؤونها الداخلية؛ الأمر الذي دفع بباقي الدول العربية لدعم الموقف البحريني في حقها. فسّر المراقبون الاعتذار الإيراني لأول مرة لدولة خليجية بأكثر من طريقة ومن أكثر من مسؤول إيراني حالي وسابق، ومنهم محمد أبطحي، بأنه دليل على أن إيران عندما تجد من يقف في وجهها ويتصدى لسلوكها ضد الدول العربية ولو بأبسط المواقف فإنها تتراجع، وهو أمر على العرب أن يدركوه تماماً في التعاملات الدولية. يمكن القول إن تحرك البحرين المدعوم عربياً، والمتمثل في إيقاف مفاوضات تزويدها بالغاز الإيراني ومنعها للسفن الإيرانية من دخول مياهها الإقليمية، هو تأكيد على أنه ليس أمام العرب سوى مواجهة الأطماع الإيرانية والتصدي لها، ولو بأقل درجات المواجهة، وهي الصمود في المواقف السياسية وعدم التراجع أو حتى النقاش فيها. ومن المهم التأكيد أيضاً على أهمية استمرار العمل العربي المشترك في وجه الأطماع الإيرانية ومساعيها في محاولتها السيطرة على العالم العربي وزعزعة استقراره. ويفيد الاعتذار الإيراني بتذكير العالم العربي أن إيران ليست بتلك القوة التي يعتقدها الكثيرون من العرب ويتخوفون منها، وأنه لا داعي لتضخيم القوة الإيرانية والنفخ فيها؛ فهذه القوة الوهمية أو الواهمة ليست سوى صناعة عربية -غربية فقط، ولكن لم يفكر أحد منا في مواجهتها كما فعلت البحرين بمساندة عربية جادة. التخوف من "القوة" الإيرانية جعلها تتمدد في العديد من الدول العربية بل وتتجاوز إدعاءاتها ضد سيادة البحرين إلى احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى)، إلى فتح ثغرات في العديد من الدول العربية مثل لبنان وفلسطين والعراق. العرب بحاجة إلى استراتيجية موحدة للتصدي للأطماع الإيرانية ومواجهتها بجرأة لتغيير سلوكها، فعملية السكوت على تدخلاتها جلبت الكثير من المشاكل على الدول العربية. الحزم السياسي البحريني أكد لنا عملياً أن السياسات الإيرانية لا تكفيها بيانات الإدانة والتنديد التي يتبعها العرب، بل هي تحتاج إلى العمل العربي بقيادة مصر والسعودية تحديداً كي تغيرها. وبغير ذلك، فإن العالم العربي يرتكب خطأ عندما يبدي تخوفاً غير مبرر من القوة الإيرانية الهشة أساساً. ففي الحقيقة، إن قوة إيران مرتبطة بحالة التراجع العربي، ولكن بمجرد أن يتحرك العرب، مثلما يحدث الآن، تكون النتيجة كما هي واضحة. حالة التهجم الإيراني على العرب سببها الإحساس بضعف الحال السياسي العربي في مواجهتها، ومحاولة اختبار مدى قدرة إيران على الصمود في وجه المواقف العربية، مثلما تفعل هي كل مرة مع البحرين والكويت ودولة الإمارات؛ فتصريحات إيران عبارة عن بالونات اختبار لردة الفعل العربية التي تمتلك الكثير من زمام الأمور الإيرانية ويمكن إحداث تأثير فيها والدليل واضح. وبقدر ما يتراجع العرب في مواجهة إيران تتوسع التدخلات الإيرانية في المنطقة. والسكوت على السياسات الإيرانية أدى إلى إرسال رسائل خاطئة لكل الأطراف في الإقليم العربي، وزاد من أطماع دول الجوار الجغرافي في العالم العربي. ما حدث مع إيران في موقفها الأخير يمكن تطبيقه في مواقف عربية أخرى، وأولها حق دولة الإمارات في استرداد جزرها الثلاث التي تحتلها إيران، فقط الأمر يحتاج إلى تنسيق عربي تجاهها. وما تثبته هذه الواقعة أن المشكلة ليست في إيران، فهذه حال الدول الاستعمارية، ولكن المشكلة في الدول العربية التي لا تجرؤ في بياناتها على تجاوز مسألة التذكير بالحقوق والانتقال إلى محاولة لتغيير السلوك الإيراني والضغط عليها من خلال مصالحها الاقتصادية والسياسية. المزاعم الإيرانية تحتاج إلى جرأة في مواجهتها سياسياً ودبلوماسياً، كما فعلت الدول العربية كلها مع الحق البحريني وصياغة موقف عربي متكامل يمنع التدخلات الإيرانية والتمدد في نفوذها السياسي والطائفي.