يثور الجدل حول طلب استجواب رئيس الحكومة في الكويت. الحركة الدستورية المنتمية لجماعة "الإخوان المسلمين"، فرع الكويت، تقدمت بطلب لاستجواب الرئيس وهو طلب سيحدد مسار الديمقراطية. حركة "الإخوان" في الكويت حليف للحكومة ولديها مصالح ضخمة، وتقديمها لطلب الاستجواب يعد تحولاً قد يؤدي إلى انقسام الحركة، حيث هناك من يقود جناحاً متشدداً يرى أن الاستجواب قد يعيد الحيوية للحركة التي خسرت الشارع الكويتي كونها وقفت بشدة مع "حماس"، وطرف آخر يعتقد بأن الاستجواب هو بمثابة طلاق بين حلفاء الأمس. استجواب الرئيس اعتبر خطاً أحمر كما عبر عنه النظام السياسي، إلا أن الغريب في الأمر هو ما نقله النائب علي الراشد على لسان أمير البلاد ومفاده أن الاستجواب حق دستوري ما يعني أن هناك تحولا كبيراً داخل النظام، والذي يفسره البعض بأن النظام نفسه لا يعارض استجواب أحد أقطاب الحكم. الشائعات كثيرة ومنها ما يدور حول حل المجلس بشكل غير دستوري، وأن النظام السياسي ضاق ذرعاً بالديمقراطية، وأن هناك تحولات كبيرة ستشهدها الساحة الكويتية. وهناك من يرى أن الحل غير الدستوري سوف يأتي بنتائج وخيمة وأن الشارع سيتصدى للحكومة والمواجهة قادمة. الجديد في الأمر أن المعارضة التاريخية هي مدنية بطبيعتها، واليوم ونتيجة للتحولات الاجتماعية التي شهدتها الكويت، أصبحت المعارضة قبلية، حيث تحولت القبيلة إلى قوة سياسية ولم تعد محصورة ضمن إطارها الاجتماعي. الديمقراطية في الكويت لم تعد محصورة في عواملها المحلية حيث دخلت عوامل إقليمية تؤثر في طبيعة الصراع الدائر في الساحة السياسية. القبيلة لها وجودها الاجتماعي في دول الجوار، ولكن ليس لها ثقلها السياسي، وما يحدث في الكويت هو تحول كبير لا تتحمل المنطقة أبعاده، إذ هو بكل تأكيد له انعكاساته على الوضع الإقليمي. القبيلة كسبت قوتها من الديمقراطية وحققت كثيراً من امتيازاتها من خلال الديمقراطية وتحولت إلى حزب مغلق على أعضاء القبيلة مما ينذر بتحولات في العمل السياسي، والذي قد يدخل الكويت في صراع جديد بين القبائل وهنا مكمن الخطر القادم. الحل سواء الدستوري أو غير الدستوري لن ينهي المشكلة الكويتية حيث الوضع وصل إلى مرحلة حرجة والديمقراطية بحاجة إلى تصالح جديد بين القوى السياسية والحكم وتعاقد على أسس واضحة يوفر الاستقرار للبلاد. الصراع له أبعاده المعقدة، فهو صراع يعكس حالة الاختلاف في مؤسسة الحكم، ونعتقد أن استمراره يحمل مخاطر سياسية، فعلى مؤسسة الحكم استيعاب طبيعة المتغيرات المحلية والإقليمية حيث لا يمكن لدول الجوار أن تسمح للتجربة الكويتية أن تنعكس سلباً على استقرارها. التصريح أو التلميح بصعود رئيس الحكومة منصة الاستجواب يعتبر تحولا كبيراً، فهو سابقة تاريخية، إذ لأول مرة يحدث أن يخضع رئيس حكومة من الأسرة الحاكمة للاستجواب. وبصرف النظر عن نتائج الاستجواب هناك من يرى أن صعود رئيس الحكومة يعني تحولات كبيرة قد تقود إلى مطالب جديدة تتجسد في الرئاسة الشعبية للحكومة. الساحة الكويتية مضطربة والكثيرون يخشون من أن ما هو قادم قد يحمل في طياته الكثير من المخاطر على مستقبل الكويت سياسياً. الكويت تحتفل بتحريرها واستقلالها وفي نفس الوقت تشتعل من الداخل. وتذكرنا تجربة الاحتلال بأن الحدث قد يتكرر ولكن ضمن أشكال جديدة حيث الصراع الدائر هو نتاج لغياب الحسم في صنع القرار ويقترب من الفوضى المدمرة وهي فوضى مغرية يسيل لها لعاب قوى قد تجد نفسها مؤهلة لملء الفراغ السياسي. مؤسسة الحكم عليها مسؤولية كبيرة في حسم التوجهات المستقبلية، وهي مطالبة بحسم الخلاف الدائر بين أقطابها من أجل استقرار الدولة.