قد تكون بعض الانتخابات لحظة مضيئة في تاريخ الأمم والشعوب، بينما يكون بعضها مجرد انعكاس سلبي للانقسامات والتصدعات الداخلية لأمة ما. وبينما يضيء النوع الأول الطريق ويشير إلى الاتجاه، يلاحظ أن النوع الثاني يصيب الأمم بالشلل التام. وإلى هذا ترمز الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وما تلاها من تفاوض حول تشكيل الحكومة الجديدة، لكونهما يؤكدان على عدم فعالية النظام السياسي الإسرائيلي. وكما هو معلوم فقد خسر الائتلاف الحزبي الحاكم شرعيته. ويتألف حزب "كاديما" من مجموعة من الأفراد الذين خرجوا من صفوف حزبي "الليكود" و"العمل"، وتتزعمه حالياً تسيبي ليفني. وقد تراجعت حصة هذا الحزب داخل "الكنيست" الإسرائيلي من 29 إلى 28 مقعداً عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الأخيرة. أما شريكه حزب "العمل" فقد تراجع هو الآخر من 19 إلى 13 مقعداً فحسب. وبالمثل تراجع حزب "ميريتس" فقد انحسرت مقاعده من 5 إلى 3 مقاعد، وهو حزب أكثر يسارية ومؤيد لجهود التفاوض السلمي مع الفلسطينيين، على رغم أنه ليس طرفاً في الائتلاف الحاكم. وبذلك لم يتمكن يسار الوسط الإسرائيلي إلا من الحصول على إجمالي 44 مقعداً، وهو رقم لا يزال بعيداً جداً عن جملة المقاعد الـ61 التي كان يمكن أن تؤهله لتكليف قيادته بتشكيل الحكومة الجديدة. غير أن هذا ليس سوى جزء واحد من القصة. ذلك أن تحليلات ما بعد العملية الانتخابية أشارت إلى أن نظرة الناخبين إلى حزب "كاديما" كانت تربط بينه وحزب "الليكود" في بادئ الأمر، وخاصة أن إرييل شارون هو الذي أسس حزب "كاديما" في نهاية الأمر. لكنه على رغم ذلك بدأ يرمز مؤخراً في عيون الناخبين إلى حزب سياسي من لون مغاير. وذكر أن نسبة 70 في المئة من الأصوات التي حصلت عليها ليفني في الدقائق الأخيرة كان مصدرها مؤيدو حزبي "العمل" و"ميريتس" الذين أملوا في سد الطريق أمام انتصار نتانياهو. ولكن على عكس ما تمنى هؤلاء، كان النصر من نصيب اليمين الإسرائيلي. فقد حصد حزب نتانياهو 27 مقعداً، ليليه حزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة أفيجدور ليبرمان، في المرتبة الثالثة بـ15 مقعداً. وفاز حزب "شاس" -وهو حزب ديني متطرف ممثل لطائفة اليهود الشرقيين "السفارديم"- بـ11 مقعداً. كما فازت مجموعة من الأحزاب اليمينية المتطرفة الصغيرة مجتمعة بـ12 مقعداً. وفي الجانب العربي، حصلت أحزاب عرب إسرائيل وحزب "حداش" -عبارة عن ائتلاف بين الشيوعيين واليساريين العرب الإسرائيليين على 11 مقعداً. والحقيقة أن معضلة إسرائيل ديموغرافية بقدر ما هي سياسية. فما تعتبر نفسها دولة يهودية، لم تعد يهودية صرفة، في حين لم يتم الاتفاق بعد على ما تعنيه الهوية اليهودية على وجه التحديد. والسبب هو الانقسامات الداخلية الحادة بين الوطنيين من جهة والمتطرفين الأرثوذكس من جهة أخرى. كما تضم إسرائيل ديموغرافياً نسبة 20 في المئة من العرب، و20 في المئة من الروس، و20 في المئة من الأرثوذكس. وعليه يمكن وصف هذا النسيج الاجتماعي المتنافر بالعجز وعدم الفعالية. وهذا العجز الإسرائيلي يستلزم تحرك العرب بدلاً من استسلامهم لحالة الشلل الإسرائيلي. وفي وسع العرب الدفع بمواقفهم وانتزاع زمام المبادرة وتقديم أنفسهم على أنهم شركاء لعملية السلام. وبذلك فإن في مقدورهم دفع كل من واشنطن وإسرائيل باتجاه العمل من أجل التسوية. وطالما نوه جورج ميتشل، مبعوث الرئيس أوباما إلى المنطقة، اعتزام الإدارة الدفع قدماً بعملية السلام منذ البداية -خلافاً لما كان عليه الحال في عهد بوش- فإن على العرب الضغط في الاتجاه نفسه.