وافقت باكستان على تطبيق الشريعة الإسلامية في وادي سوات والمناطق المجاورة بشمال غرب البلاد في الأسبوع الماضي، في محاولة لإخماد انتفاضة لـ"طالبان" اندلعت في أواخر عام 2007. وذكر متحدث باسم الإقليم في إعلانه عن قرار إعادة الشريعة الإسلامية، أن آصف على زرداي كان قد وافق من حيث المبدأ على هذا التنازل للمحافظين في المنطقة. وحسب الاتفاق ستلغى جميع القوانين غير الإسلامية المتعلقة بالنظام القضائي وتلك المتعارضة مع القرآن والسنة، وستعتبر باطلة. ورغم حقيقة أن الاتفاق قد وقع حديثاً، إلا أن مقاتلي "طالبان" دمروا أكثر من 200 مدرسة للبنات في حملة ضد تعليم المرأة، وفرَّ عشرات الآلاف من منازلهم خوفاً من العنف، وشهدت المنطقة نزوحاً جماعياً للسكان المحليين عندما فجر المتمردون عشرات المتاجر التي تبيع مواد الترفيه الإعلامية، وحظروا تعليم الإناث في المنطقة ومنعوا مصففي الشعر من حلق اللحى للرجال. الرئيس الباكستاني اعترف في مقابلة تلفزيونية معه، أن "طالبان" موجودة في بلاده وأن القوات الباكستانية تقاتلها من أجل الحفاظ على باكستان... رئيس الوزراء الباكستاني يوسف جيلاني اعترف هو أيضاً بخطورة الوضع في بلده، مؤكداً أن أمن واستقرار باكستان على المحك. واضح من متابعة تطور الأحداث في باكستان، أن هذا البلد الإسلامي الكبير والمهم والوحيد الذي يملك القنبلة الذرية، يتجه بسرعة نحو الانهيار التام. المشكلة في باكستان ليست محصورة بازدياد نفوذ الجماعات الأصولية الإرهابية، بل إن حالة التردي العام يمكن رصدها من خلال معرفة حقيقة أن غالبية الشعب الباكستاني الذي يبلغ عدد سكانه 168 مليون نسمة، تعيش تحت خط الفقر وتعاني من مشاكل اقتصادية تتمثل في هبوط الروبية الباكستانية وتراجع الاستثمارات الأجنبية وهروب رؤوس الأموال الوطنية وتفاقم البطالة وارتفاع التضخم. الحقيقة المرة هي أن باكستان ابتليت بحركات وأحزاب دينية كثيرة ومتنوعة ومتباينة في منظورها الخاص للإسلام، بعضها يتسم نهجه السياسي بالاعتدال والوسطية مثل حزب "الرابطة الإسلامية"، لكن العديد من الأحزاب الدينية متطرفة في تصوراتها الدينية ولها ارتباطات وثيقة مع حركة "طالبان" و"القاعدة". بعض قبائل البشتون تدعم أقرباءها في أفغانستان من منطلق قبلي صرف، وتم زج الإسلام لاعتبارات سياسية. ومما يزيد الوضع خطورة هو تفشي حالة الفقر والجهل والأمية والفساد، وما يعنيه ذلك من دلالات سياسية واجتماعية خطيرة. إن الضغوط الأميركية على باكستان من أجل مواجهة متمردي "القاعدة" و"طالبان" في المناطق القبلية على الحدود الأفغانية الباكستانية، كلفت الحكومة الباكستانية وجيشها الكثير... فقد فقدت باكستان أكثر من 1300 جندي منذ عام 2002 وقتل 1300 مدني منذ شهر يوليو 2007 جراء عمليات إرهابية هجومية أعلن إسلاميون باكستانيون مسؤوليتهم عنها. باكستان اليوم تحتاج دعماً ومؤازرة من كل الدول المحبة للسلام والاستقرار في المنطقة، وإنقاذ باكستان من الوضع الأمني المتردي فيها يتطلب جهوداً وتعاوناً دوليين يمكن أن تساهم فيهما دول الخليج العربية وأوروبا وأميركا والصين وروسيا، لأن سقوط باكستان بيد الأصولية الإسلامية المتطرفة سوف يهدد أمن المنطقة وأمن العالم المعاصر كله.